عذيري من ضنى القلب الحزين – جبران خليل جبران
عذيري من ضنى القلب الحزين … على الإلف المفارق مكسويني
جواد شاخ في طلب المعالي … ولكن ظل مهرا في عيوني
أريد بقاءه والدهر آب … علي بقاءه فيما يزيني
يقطع بالقنوط نياط قلبي … ويلقي الريب في عقلي وديني
أتوقره السنون فلن أراه … طليقا مارحا مرح الجنون
كما هو كان والدنيا شباب … وفيه روائع الحسن المبين
إذا ما شد في طلب بعيد … يهز الأرض بالوطء المتين
وإن يختل على الأفراس تيها … فشت فيهن أعراض الفتون
وإن يصهل فأبجر آل عبس … له صوت يعاد بلا رنين
فيا ألفا وبضع مئين أطول … بها ألفا وبضعا من مئين
أبدع والمسافة تلك أنا … سمعنا الرعد صار إلى أنين
مضى زمن الصبا ومضى التصابي … ولج الداء فيالشيخ المين
فوا حربا عليه وكان دهرا … على استقصاء حاجاتي معيني
و ان إذا الوجاهات اقتضتني … تحملي إلى ماتقتضيني
ويمنح جله ركبي جلال … يريني أن كل الخلق دوني
وما أحلاه أبيض غير حر … عفيف الفك وضاح الجبين
يزين سواه تحيل يسير … وحجل كله حتى الوتيني
له ذيل يشير به دلالا … إلى ذات الشمال أو اليمنين
فيحكي راية غراء تسعى … ل تشفي كل ذي داء دفين
أمحجبو المعاني والمعاني … بوجهك ظاهرات عن يقين
أساك وفيه كل أخ شريك … يحق على مفديك الأمين
تبدل منه مجدل حين يمطو … بأزازو تفاف لعين
يفلت ماشيا تفليت سوء … أليما للنوف وللجفون
وبينا يسبق القصد اندفاعا … إذا هو قد توقف قبل حين
فخضك في مكانك خض زبد … ولست لسوء حظك بالسمين
فتسمع قعقعات من عظام … ترضض فيك من شد ولين
عزاءك في جوادك يا صديقي … فكم في البعد عنه من شجون
إخال الموت ينذره وإني … لأبصر قسوة الدهر الخؤون
فإن يتول عك يمت حميدا … ولم يك بالأكول ولا البطين
ويمض فدى لأروع شمري … محيط بالعلوم وبالفنون
طبيب بالمعارف لا يضاهى … أيدب غير خال من مجون
إذا ما هز لحيته خطيبا … يقول الخصم يا أرض ابلعيني