عاد عهد المدير في اعين الناس – جبران خليل جبران

عاد عهد المدير في اعين الناس … حميدا وأقصر اللوام

وتقضى بغي البغاة عليهم … وتقضى الاعنات والإرغام

ساسهم ماهر بعدل فأنسى … ما جناه الجهال والظلام

لا يرى جانف إليه سبيلا … ويراها الحريب والمستضام

ثبتت فيه خالدات المعاني … وانتفى ما أعارهن الرغام

فله والشخوص تطوى نشور … وله والسنون تفنى دوام

نصف في الرجال سمح المحيا … لا يطول الانداد منه القوام

غير سبط اليدين إلا إذا ما … عني الفضل منه والإنعام

حسن السمت والسجية في كل … نبيل مرآتها الهندام

في اساريره لمن يجتليها … يتراءى الذكاء والإقدام

مطمئن بنفسه وإليها … رابط الجأش والصروف ضخام

من عذيري إن قصر الوصف عن إيفاء ما يتقضيه هذا المقام … إن عداني في النقل ما راع في الأصل فإن المفرط الرسام

ابتلك الحياة والعجب الماليء … أقسامها يحيط كلام

بدئت نهضة البلاد وفياه … من سماء الرجاء برق يشام

لا وذكراه إنها لشعاع … ليس يغشاه في النفوس قتام

وعلى قدر ما تجددها الأقوام … تقوى وتمجد الاقفوام

يوم فخر شهدتموه فما غاب … به نيلها ولا الأهرام

ذلك الراحل الذي شفه من … همها فوق ما يشف السقام

وقضى في تحول الحال ثبتا … لم يحل عهده لها والذمام

طالعوا رسمه الجميل وفيه … كل زاه من الحلى يستام

فهو يرنو كأنه عاد حيا … يملأ العين وجهه البسام

أي شكر من الذين تولوا … أن يبشوا الى الذين أقاموا

أي شكر من الذين تولوا … أن يبثوا إلى الذين أقاموا

كيف أضحى على الحداثة في ذلك … وهو المدرب العلام

يفتق الحيلة الذكاء ويبدي … فضل تلك الأدارة الاستخدام

ومع الصبر والعزيمة تخضر … الموامي ويستدر الجهام

زال ذاك الديوان بعد وفاء الدين … وانفض شمله المتلام

فخلا ماهر وما زال فيه … تحت ماء العود النضير ضرام

كان لا يألف القرار وبالإغماد … يصدى ويصدأ الصمصام

فاستمد الهدى ليأتنف السير … وطال التفكير والإنعام

فهواه هوى البلاد ومن هام … رأى الغيب قلبه المستهام

والمحب الابر من قاده وحي … هواه ولم يقده الزمام

نشأت في الحمى نقابة خير … لسراة البلاد فيها انتظام

تبذل النفس والنفيس احتسابا … خالصا واملرام نعم المرام

ما عناها إلا السواد الذي يشقى … ومن حظ غيره الإنعام

ألسواد الذي يقوم على الأرض … واقرانه هي الانعام

تتوخى له النصيحة والرشد … وتحمي ضعافه أن يضاموا

جمعت شملها وقدم فيالجمع … كريم مقدموه كرام

حمل العبء ماهر وهو من يحسن … تدبير كل أمر يسام

إن أريد الضياء فهو شهاب … أو أريد المضاء فهو حسام

فأرانا كيف التعاون والركنان … فيه نزاهة ووئام

وارانا كيف الصراحة والصدق … وكيف الإتقان والإحكام

وأرانا أن الزعامة ضرب … من إخاء لا سائم ومسام

والجماعات إخوة وفخار … للمولين أنهم خدام

ثم كان اليوم الذي ندبته … مصر فيه والأمر أمر جسام

رب يوم بين المنى والمنايا … كان أحجى في مثله الإحجام

موقف عدت الوزارة وزرا … فيه والمنذرات سحب ركام

غير أن التأثيم قد يخطيء المرمى … إلى حيث لا يكون أُام

ومن النقض فيالتجارب ما يصلحه … في العواقب الإقبرام

فانبرى ماهر ينافح عن رأي … وإن جل دونه ما يسام

في رفاق جدوا فجادت عليههم … بالذي لم تجد به الأيام

مهد الشوط آخرون ومنهم … كان في آخر المدى الاقتحام

ملك مصر القديم عاد جديدا … مستتبا جلاله والنظام

وبناء الدستور رد وطيدا … مستقرا عماده والدعام

بفتوح ترد في كل يوم … من حقوق ما ضيعت أعوام

رجعت بسطة الاجانب قبضا … واستقرت في أهلها الاحكام

ولريب الزمان يعتد ما يعتده … للطوارئ الاحزام

إنما القصد عاصم من مزلات … كبار تزلها الاقدام

قل لمن يزدري الحطا من الاخطار … ما لا يصون إلا الحطام

كيف يرجى مع الخصاص أمن … لامرئ من هوانها واعتصام

ومن القصد صحة الجسم هل تسلم … إلا بالحيطة الأجسام

إن بقيا الفتى على الجسم والبقيا … على المال في الخلال تؤام

تلك حال رشيدة كان يؤتم … بها مصطفى ونعم الامام

نزهتها عن كل ذام أياديه … الحميدات والمساعي الجسام

سل به تدر كيف تقطع أسباب … التعادي وتوصل الأرحام

وتعان المحصنات الأيامى … وتعال العفاة والأيتام

إن يخب سائل فما خاب يوما … في ذراه المؤمل المعتام

أأريكم ما كان ينفق فيه … وقته حين يستطاب الجمام

تلك آيات من فقدنا وما دونت … منها هو اللباب العظام

صدرت عن خلال نفس جدير … كنهها أن يماط عنه اللثام

نفس حر أخلاقه نسق تصدق … فيها الهواء والوغام

ما بها نبوة على أنه الوادع … آنا وآنا الضرغام

كان في نفسه عظيما فما يزهيه … من حيث جاءه الإعظام

إن سيف الجهاد وهو عتاد … لا يجلي وقد يحلي الكهام

وتجافى السير المريب فلم يلحق … بأطراف ظله الاتهام

بين تثبت الحقائق فيه … ناصعات وتنتفي الوهام

من يكون الجليس يصغي إليه … سامعوه وللووه ابتسام طرفة من تنادر مستحب إثر أخرى والبادرات سجام

من خطيب يشفى أوام بما يلقي … ويذكو إلى السماع أوام

نبرات كأنها زأرات … ولحون كأنها أنغام

كل عمر إلى ختام ولكن … راع فيك القلوب هذا الختام

أي سهم رميت في صدر ولهى … بك كان ترد عنها السهام

ذات صون وعصمة لم ينلها … فيحماك الأذى ولا الإيلام

من رواعي الذمام ما دام في القلب … ذماء وفي الوفاء ذمام

غير هذي النوى وما أعقبته … كل حال عداك فيها الذام

جارك الله والثواب جليل … فامض يا مصطفى عليك السلام

هذه كتبه يعود إليها … وهي أزكى ما تثمر الأقلام

يكشف العيش عن مباهجه فيها … وتسلى الشجون والآلآم

وتناجى بما يسر ويسجي … يقظات الأفكار والاحلام

غير كأن المطالعات على التثقيف … عون وليس فيها التمام

وابتغاء التمام كان يجوب الأرض … ذاك المهذب الهمام

طاف ما طاف تحت كل سماء … عائدا كلما تلا العام عام

ليس في أمة غريبا وما من … لغة ما له بها إلمام

يستفيد الطريف من كل فن … ولمصر مما جناه اغتنام

أيها النازح الذي خلف اسما … أكبرته فيا لمشرقين الأنام

من يكون الأديب بعدك لا إغراب … في قوله ولا إعجام