ظهرت حياة في البلاد جديدة – جبران خليل جبران
ظهرت حياة في البلاد جديدة … ملأت جوانبها بلا إمهال
قد كان أول باعثيها مصطفى … وتلا فريد وهو نعم التالي
واستن أحمد ذلك السنن الذي … عانى مصاعبه بغير كلال
ليتم في سبل العلى ما أبدأ … ويموت وهو بقية الأبدال
تلك الحياة على حداثة عهدها … قويت بها نزعات الاستقلال
وعلت شكاية راسف في قيده … من ألف عد أعقبت بمطال
واستسمعت بعد الشوادي في ربى … مصر وفي الوادي ليوث دحال
فإذا الديار وما الديار كعهدها … وإذا جديد الدهر غير الخالي
وإذا حجاب اليأس شق ودونه … أمل كحد المنصل المتلالي
وإذا الضعاف الوادعون تقحموا … مستصغرين عظائم الأهوال
لكن تصدى للزمان يعوقه … من خال نهضة مصر ضرب محال
قاس العتيد على العهيد لوهمه … أن الجمود بعيد الاستئصال
خطل قديم لم يدع في أمة … أن يرمي الآساد بالأشبال
من ذا يرد عن التقلب دهره … إن شاء وهو محول الأحوال
لا يوم كاليوم الذي فجعت به … مصر وقد فجئت بصرعة غالي
لكأن زندا واريا في صبحه … وصل الجنوب دويه بشمال
ألقت على الرجل العظيم بناره … يد مقدم لحياته بذال
من عصبة للتفديات تطوعت … وفقدت عقيدتها بالاستبسال
ظنت حماة الحي قد غرتهم … أقسام حناثين فيه حلال
فرمت إلى إيقاظهم لكن رمت … بأشد قارعة من الزلزال
نظرت إلى رجل الحمى وقضت على … ذي العزة القعساء بالإعجال
فهوى به في كبرياء فخاره … وبزوغ دولته الشهاب الصالي
لم يجهل العادي عليه أنه … يودي به وانقض غير مبالي
لو ظنه بالرأي بالغ أمره … لم يبغه بمقطع الأوصال
مستبقيا لبلاده ولقومه … عزمات ذاك المقول الفعال
أرأيت أحمد كيف هب مناضلا … في موقف ناب بكل نضال
وأتى عجائب في بدبع دفاعه … لم يأتهن أواخر وأوالي
فلو القتيل من الخطيب بمسمع … لعفا ورأي المجد فيه عالي
وأبى قيام الخلف في آثاره … سوقا لبيع قديمة الأسمال
قد يضرب الحدث المفاجي ضربه … بيد المدمر أو يد المغتال
فيبيت قوم والهموم بهامهم … ناءت كباهظة من الأثقال
لا صوت أنكر إذ تراجع أمة … تاريخها من صيحة الدلال
لكنه خلف عفت آثاره … بكياسة الأبرار في الأنجال