طلعتَ كبدر دُجى تزفُّ سُلافها – حيدر بن سليمان الحلي
طلعتَ كبدر دُجى تزفُّ سُلافها … يا حيِّ طلعتَها وحيِّ زفَافَها
بيضاء ناعمة الشبيبة أقبلت … تُثني بنشوة ٍ دَلِها أعطافها
تطأ الحريرَ ولو تُطيقُ ذوو الهوى … فَرشتَ لها فوق الحرير شغافها
يُهنيك أنّ العامريَّة عن هوى ً … ألفت حِماكَ ونافرت أُلاّفَها
طرقتكَ زائرة ً بأسعدِ ليلة ٍ … قد كادَ يرفعُ نُورها أسدافها
وجلت بأنُمل فضَّة ٍ ذهبيَّة … خضبت بلون مدامها أطرافها
فاشرب على الورد الندي بخدّها … صهباءَ مُقلتِنا تُديرُ سلافَها
وتملُّ عيشك ناعماً بغريرة ٍ … كالريم أُرهفَ خِصرُها إرهافها
وبمسقط العلمين شائقة الهوى … ضربُوا على مِثل المَهاة ِ سِجافها
ثُعليّة ُ لكن لها من حاجب … قوسٌ غدا أهلُ الهوى أهدافها
نشأت مع الأرامِ إلاّ أنّها … لاشيحها ترعى ولا خِذرافها
وبذي الأراكة ِ ربعُها لكَ جنّة ٌ … غِيدُ الظِباءِ تفيأت ألفافَها
ألفته فارتبعت بأطيب ملعبٍ … منهُ وكان لطيبه مُصطافَها
أرجت بريّاه رُباهُ وقد مشت … عَطرى البرود فَضوّعت أخيافها
يا ربعَ شوقي هل تُضيفُ حشاشة ً … نزلت ظباكَ بربعها فأضافها
دِيست بأخفاف المطيِّ لأنّها … شوقاً إليكَ تقدَّمت أخفافها
حيّتكَ من نَور الثُريّا حُفّلٌ … حلبت عليك يدُ الصَبا أخلافَها
من كلّ صادقة ِ المخيلة ِ حلّقت … مِن نحوَ نجدٍ واغتديتَ مطافها
طارت بأجنحة النسيم وأقبلَت … تحدُو الرعودُ ثقالَها وخِفافَها
قد حلّلت كفُّ البروق نطاقها … فغدت تُريقُ بصِقوتَيكَ نطافها
نثرت عليك عشيّة َ بردَ الحيا … نثرَ اللئالىء فارَقَت أصدافَها
أمشبّباً بالغيد زِدني مازجاً … في وَسفِ مَجلسِ أُنسنا أوصافها
هو تحفة الدنيا لنا قد أحسنت … فيه بريحان الهوى إتحافَها
قد بتُّ أقطفُ من حديقة زَهرِهِ … أزهارَ بشرٍ ما ألذّ قطافها
ونديمتي هيفاءُ وُشّح خصرهُ … بمذّهبِ شغفت به وِصّافها
جلت المُدامَ لنا فقلت لصاحبي … منحتكَ ساقية ُ الطلى أسعافها
وَشَدَت وقد أرخت ثلاثَ ذوائبٍ … بيد الدلال فأطرَبت أُلاّفها
ودعوتُ يا بُشراك إنَّ لياليَ الـ … ـتشريقِ تلك فبادر استينافَها
وصدقتك البُشرى فعرسُ محمدٍ … عيدٌ على الدنيا أدارَ سُلافها
ضحكت بها الدنيا سروراً واكتست … للزهوِ من حبراتها أفوافها
فاليوم قرّت عينُ هاشمَ في الثرى … وسقته أنواءُ السرور نطافها
وسرت إلى أبناء عبد منافها … نفحاتُ بشر أطربت مُستافها
وصلتهم البُشرى بعرس مُهذَّبٍ … أحيت مآثرُ جدّه أسلافَها
ينميه من مهدّي آل محمد … هذا الذي نَعَشت يداه ضعافها
وَرِثَ الإمامة علَمها وصلاحَها … وسماحها وإباءها وعفافها
يتدارسُ الملأُ المقدَّسُ عنده … حِكماً بَهرنَ من الورى عُرّافها
ربّ القدورِ الراسياتِ موائلاً … كالبرك أرحب مالئاً أجوافها
هدّارة ً تحت الدجى فكأّنما … تدعو بحيّ على القرى أضيافها
ولو أنّ ياجوجاً ومأجوجاً أتت … مغناهُ تلتمس القِرى لأضافها
يا من مكارم شيبة الحمد انتهت … إرثاً إليه وزادَها إضعافها
علمت قريشٌ أنَّ قومك خيرُها … كرماً وإن منعتهُم إنصاقها
فإذا قريشٌ في المكارم طاولت … غلبت بطَولِ المُطعمينَ عِجافها
بالراحلين بها وقد أخذوا لها … عهد الأمان وسل بهم إيلافها
بالمنشقين أنوفها عزف العلا … والمرغمين على الهدى آنافها
مَن أعتقوها في المُحول وأرهنوا … في السبق حتى استعبدوا أشرافها
فبكم أعزَّ المؤمنينَ إلهُها … وكفا بواحد جمعكم آلاّفها
واليوم إن شكتِ الشريعة ُ قرحة ً … فسواك ليس بمدملٍ إقرافها
ما أيقنت ببقاءِ مهجتها لها … حتّى دعاكَ الله قم فتلافها
فمنعت حوزَتها وصنت حريمها … وحميتَ بيضتها وحِطتَ سِجافها
يابن النبي وتلك أشرفُ دعوة ٍ … طرباً تهزُّ لها العُلى أعطافَها
أنتَ الذي ارتضع النبوّة درّها … وله الإمامة مهدّت أكنافها
من حلَّ داركَ ظنَّ تربة َ قدسها … كافورة خلدية َّ فاستافها
ونعم هي الفردوسُ إلاّ أنها … رضوان بِشرك خازن إلطافها
هي باحة ُ الشرف المقدَّسة التي … ولدت بها منك العُلى أشرافها
ولدتهم علماءَ يكشفُ هديُهم … عن ذي القلوب الغافلات غِلافها
شّفوا طباعاً لا تميل مع الهوى … من حيث طهّرَ ربُّها شّفافها
فإذا بجعفرها ارتفدتَ وجدته … فرّاج كلِّ عظيمة كشافها
قمرٌ توسَّطْ دارة ً فلكيَّة ً … جمع الكمالُ على النهى أطرافها
لولا اكتسابُ الحاسدينَ بنعله … شرفاً لقال المجد طأ آنافها
حيث التفتّ وجدت ألسنة الثنا … والمدح تعلن في علاه هتافاً
وسعى الورى حلماً وأدّبَ جهلها … غضباً فآمن خوفها وأَخافها
وكفا بني الأمل السؤال وطالما … ملّت بساحة غيره إلحافها
هو سيدُ الكرماءِ إن ذكر السخا … وأخو المكارم إن غدوا أحلافها
زعم الأنامُ بنانُه أمّ الحيا … كذبوا وإن رضع الحيا أخلافها
لا قلتُ أنملَه ضروع غمامة … ومن الغمائم كم ذممت جفافها
وحمدتُ أنملَهُ لأنَّ لها الندى … طبع تنيلك دائماً إسعافها
قد قلت للبخلاءِ مذ عقروا الندى … وبنوا المكارم حرّمت إيجافها
كونوا ثمودَ فإنَّ جعفرَ صالحٌ … للوفد يغمرُ بالندى معتافها
هذا أبو الهادي الذي لو جاورت … يده الغيومَ ولبخلت وكافها
بين الإمامة والنبوّة رتبة … بعلى السيادة قد علا أعرافها
تقفُ الملائكُ دون نور جلالها … خُضُعاً فتكثر نحوه استشرافها
آباؤُه حمت الشريعة َ في ضُباً … لم يعد حاسم رأيه أوصافها
فكأَنَّ من أسيافها آراؤه … وكأَّنَ من آرائه أسيافها
رأَي يردُّ على الزمان سهامَه … حتى تبيتَ صروفُه أَهدافها
جذلانَ يبسط راحة لم يعقد الأ … مساكُ لمحة ناظرٍ أطرافها
ماذا حواسدُها تقولُ وقد رأَت … في المكرمات لوفرها أتلافها
أتقول مسرفة بلى هي تقتفي … بالجود في إسرافها أَسلافها
وكأَنّما فمه حوى نضناضة ً … للخصم ينفثُ في حشاه ذُعافها
هو في لسان المكرمات محمدٌ … ومحمدٌ هو جامعٌ أصنافها
هو والحسينُ بمجده قمرا عُلاً … كلُّ عن الدنيا جلا أسدافها
سقيت رياض كماله ماءَ النهى … فبهرن في أزهارها قطافّها
فئة ٌ لها حسبٌ تكافا في العُلى … طرفاهُ قد وطّا معاً اكتافها
فلكم بني الوحي الرسالة في الورى … وعليكم مدَّ الإله طِرافها
إن تفضلوا شرفاً ملائكة َ السما … فالله أخدمَ جدكم أشرافها
لو لم يجئ في ذكر وصف علاكم … تالله ما عرف الورى أوصافها
ولكلّ آنٍ في الأنام إذا التوت … منكم إمام هدى ً يقيم ثقافها
وإمامُ هذا العصر قام أبوكم … فيها فراض برفقه أعسافها
لم تختلف علماؤُها في مُشكلٍ … إلاَّ وردّ إلى الصوابِ خلافها
يابن الأُلى ركبوا سوابقَ من عُلاً … عقدوا بناصية السهى أعرافها
وابن الذين إذا الجيادُ حملنهم … لوغى ً وقوا بصدورها أردافَها
خُذها كما اقترح الوفا مزفوفة ً … بجميل ذكرك تستطيب زفافها
تهدي التهاني جُهدَها ومن الحيا … تبدي رجاء قبولك استعطافها
أنت الذي زهرت مناقبُ مجده … بين النجوم وأشرفت إشرافها
نضت الشريعة ُ من لسانك مرهفاً … فمخيفها بالأمس ها هو خافها
ورأت بناثلك الوفود غناءها … من كلّ مَن طلبت لديه كَفافها
فإذا لغيرك ذمَّ موجفها السرى … حمدت إليك بنو السُرى إيجافها
فخلدت في الدنيا بعلمك في الورى … ونداكَ يملأُ صحفها وصحافها