طربتُ إلى ذلفا فالدّمعُ يسفحُ – الأخطل

طربتُ إلى ذلفا فالدّمعُ يسفحُ … وهشَّ لذكْراها الفؤادُ المبرَّحُ

ومِنْ دونِ ذلْفاء المليحَة ِ فاصْطبرْ … من الإرضِ أطوادٌ وبيداءُ صحصحُ

بها حينَ يستنّ السرابُ بمتنها … لخُوصِ المطيّ إنْ تَذَرَّعْنَ مَسْبحُ

وقَدْ صاحَ غِرْبانٌ ببَيْنٍ وقد جرَتْ … ظباءٌ بصرمِ العامرية ِ برحُ

فما شادنٌ يرعى الحمى ورياضَها … يرودهُ بمكحولِ نؤومٌ موشح

بأحْسَنَ مِنها يوْمَ جدَّ رحيلُنا … مع الجيشِ لا بلْ هي أبضّ وأصبحُ

وأحسنُ جيداً في السحابِ ومضحكاً … وأنْجَلُ مِنها مُقْلَتَينِ وأمْلَحُ

بأطْيَبَ مِنْ أرْدانِ ذَلْفاء بعدَما … تغورُ الثريا في السماء فتجنحُ

إذا الليلُ ولى واسبطرتْ نجومه … وأسْفَرَ مَشْهورٌ مِن الصُّبحِ أفضحُ

فلا عيبَ فيها غيرَ أنّ حليلها … إذا القَوْمُ هَشُّوا للمروءة ِ زُمَّحُ

بطيءٌ إلى الداعي، قليلٌ غناؤهُ … إذا ما اجتداهُ سائلٌ يَتكَلّحُ

أذَلْفاءُ كَمْ مِنْ كاشِحٍ لكِ جاءني … فأحْفَظْتُهُ إذْ جاءني يتَنَصَّحُ

يقولُ أفقْ عن ذكرِ ذلفاءِ وانسها … فما لكَ مِنْ حَتْفِ المنيّة ِ مَجْمَحُ

فقلتُ اجتنبتني لا أبا لكَ واطرحْ … ففي الأرضِ عني إذا تباعدتَ مطرحٌ

فكَيفَ تلومُ النّاسُ فيها وقد ثوى … لها في سوادِ القلبِ حبٌّ مبرحُ

وحبي جدٌّ ليس فيه مزاحة ٌ … فيرْتاحُ قَلْبي إذْ يراهُ ويفرَحُ

وإني لأهوى الموتَ من وجدِ حُبها … وللموْتُ مِنْ وجْدٍ ألَذُّ وأرْوَحُ

وكلُّ هوًى قدْ بانَ منّي ولا أرى … هوى أُمّ عَمْروٍ مِن فؤاديَ يَبرَحُ

وفتيانِ صِدْقٍ مِن عشيري وجوهُهمْ … إذا شففتهنَّ الهواجرُ وضحُ

رفَعْتُ لهُمْ يوماً خِباءً تمُدُّهُ … أسِنّة ُ أرْماحٍ يُسِفُّ ويَطمَحُ

فأدنَيْتُ مِنهُمْ سَبْحَلِيّاً كأنّهُ … قتيلٌ مِن السّودانِ عَبْلٌ مُجَرَّحُ

فظَلّتْ مُدامٌ مِنْ سُلافة ِ بابلٍ … تَكُرُّ علَيْهِمْ والشِّواءُ المُلوَّحُ

فلما تروّوا قلتُ قوموا فأسرجوا … عناجيجكُم قد حانَ منا التروحُ

فقاموا إلى جُرْدٍ طوالٍ كأنّها … مِن الرَّكضِ والإيجافِ في الحرْبِ أقرُحُ

فشَدُّوا علَيْهِنَّ السّروجَ فأعنقَتْ … بكل فتى يحمي الذمارَ ويكفحُ

فقال لهم ذاكمْ سوامٌ ودونهُ … كتائبُ فيهنَّ الأسنة ُ تلمحُ

فلما أغرنا أغنمَ الله منهمُ … وذو العرشِ يعطي من جزيلٍ ويمنحُ

فلَمْ نَخْتَصِمْ عِنْدَ الغَنيمَة ِ بَيْننا … ولمْ يكُ فينا باخِلٌ يَتشَحّحُ

فتلكَ المعالي لا تباعُكَ ثلة َ … وبُهْماً عِجاماً للمعيشَة ِ تَكْدَحُ

فقلْ لبني عمَ الذينَ ببابلٍ … وبالتستري عن أرضكمْ متزحزحُ

وفي الأرضِ عنْ جوخى ورعية ِ أهلها … وعَنْ نَخَلاتِ السّيْبِ للحيّ مَفْسَحُ

وحسبُ الفتى مِن شِقوَة ِ العَيشِ قطعة ٌ … يُحاجي بها طَوْراً يُجَحِّحُ