ضنتْ وما أنا لو تشاءُ ضنينُ – مصطفى صادق الرافعي

ضنتْ وما أنا لو تشاءُ ضنينُ … والبخلُ إلا في الحسانِ يشينُ

أهواكِ مانعةً وكلُّ مليحةٍ … ليستْ ممنعةَ الوصالِ تهونُ

حسبُ المتيمِ منكِ وحيَ فؤادهِ … إنَّ القلوبَ على القلوبِ عيونُ

وألذُ ما كانَ الخيالُ زيارةً … إنْ كانَ يخفى مرّةً ويبينُ

قالوا بخلتِ وما بخلتِ وإنما … وصلُ المليحةِ في الجفاءِ ثمينُ

نسختْ معاني البخلِ يسرى أحمدٍ … وأتْ بشرعِ الجودِ منهُ يمينُ

أحيا الأولى كنّا نرى أسماءَهم … وغدا يرينا الجودَ كيفَ يكونُ

وسمتْ بهِ مصرٌ على بغدادِ مذ … كانتْ وكانْ بقصرها هارونُ

ورأى لديهِ المالَ بحراً زاخراً … فغدتْ أناملهُ وهنَّ سفينُ

والقومُ ذو فقرٍ يقلبُ كفهُ … وأخو غنى بنعيمهِ مفتونُ

هذا يرنحهُ الأنينُ وذاكَ في … سكراتهِ يهفو بهِ التلحينُ

قل للذينَ استأثروا بكنوزهم … ما كانَ بعدَ كنوزهِ قارونُ

أنفوا مساعدةَ الضعيفِ وربَّما … خدموا البهائمَ والجنونُ فنونُ

واستحجرتْ راحاتُهم فكأنها … صخرٌ وإن فلقوهُ ليسَ يلينُ

والمجدُ أقتلُ ما يكونُ هزالهُ … أما رأيتَ الكيسَ وهوَ سمينُ

ضلُّوا وأحمدُ بينَهم يدعوهُمُ … أو بعدَ أحمدَ للمكارمِ زَيْنُ

نيلانِ في مصرٍ فذلكَ قد جرى … ماءً وهذا عسجداً ولُجينُ

والنفسُ إن تعزُ الفضائلَ أفلحتْ … كالماءِ يسقاهُ فيحيا الطينُ

يا أحمداً أقرضتَ ربّكَ والسرا … ةَ يئنُّ تحتَ رباهمُ المسكينُ

والدهرُ أطماعٌ وفيهِ حفرةٌ … سيانَ فيها الألفُ والمليونُ

وبنيتَ من كلِّ الضمائرِ منزلاً … هو منكَ ما بقيَ الورى مسكونُ

كالشمسِ من فوق السماءِ محلها … وشعاعُها تحتَ الثرى مخزونُ

ورفعتَ صوتكَ بالمكارمِ جهرةً … تدعو الأنامَ وللسراةِ طنينُ

والشرقُ إن خربتْ نفوسُ رجالهِ … فلربَّ كنزٌ تحتها مدفونُ

قد كنتُ أبخلُ بالقريضِ وإنني … ليعزُّ عندي اللؤلؤُ المكنونُ

فأريتني ديوانَ مجدكَ شامخاً … فحلا لأشعاري بهِ التدوينُ

شعرٌ أفاضَ عليهِ نوركَ مسحةً … فكأنَّهُ صُوَرٌ بها تلوينُ

ما إن يقاسُ بهِ سواهُ وليسَ في … سلكِ الزبرجدِ ينظمُ الزيتونُ

كثرتْ ظنونُ المادحينَ فقولهمْ … ظنٌّ وهذا المدحُ فيكَ يقينُ