صحيفة الأحرار – بدر شاكر السياب

يا حابسين صحيفة الأحرار … هل يمنع القيد استعار النار

إن تحجبوها فهي حقد كامن … بين الضلوع و صرخة استنكار

بنت الكفاح و كل سطر خالد … عرق يفور به دم الثوار

ضم الشتات بها ( فكاوا ) يجتلي … من عين ( يعرب ) ضحكة استبشار

و ( القدس ) تشهد كل جرح أنها … برء يثير مخاوف الأشرار

لم تكب في ساح الجهاد و لا ارتضت … ذلا و لا غفلت عن استعمار

إن تحجبوها فالليالي شأنها … ألا يدوم بها سنا الأقمار

ما إن نخور فليس فينا جاهل … إن الحياة عطية الأخطار

إنا لنغمد في اللظى أقدامنا … هيهات نشكو سطوة الأحجار

واحر قلبي يا بلادي أنني … جردت فيك سوى من الأشعار

ماذا ظننت بصادق في حبه … لو كان يملك قوة الأقدار

هل كان ينفض من نضال كفه … أو كان يتركها على القيثار

و لو استطعت لكنت حزبا ثانيا … مثل التحرر صادق الآثار

أو عدت أجعل من دمائي ثورة … تجلو غشاوة هذه الأبصار

الشعب يعلم عن يقين أنها … بوق النضال و منبر الأحرار

حان الكفاح فأنزلتها طعنة … حمراء في صدر الحليف الصاري

الجو فيك لكل نسر ضيق … رحب لكل ملون المنقار

قصوا جناح النشر فيه و أطلقوا … لليوم أجنحة الخنا و العار

و من المهازل أن أوفى صفحة … للشعب تطويها يدا غدار

ما راش جود الكادحين جناحها … حتى يراه مقص الاستعمار

أن يحجبوها فهي في أرواحنا … و ضحاه تنشرها يد التذكار

أو طاب يوم ( الخائنات ) بيومها … فالخائنات قصيرة الأعمار

إن المصاب و إن خلا من فرحة … لم يخل من عظة و من انذار

فالطاعن الصدر الأبي بسيفه … سق الستار بطعنة استهتار

فإذا العيون ترى و في أهدابها … لمح الدماء خبيثة ( الثرثار )

يجثو على فرش الحرير و دونه … جسم الطعين على التراب العاري

فالطرف يمسك بالكؤوس و رجله … بالطرس و الكغان بالدينار

لو باركته يدا ( سفير ) ساعة … باع النضال بحلفة ( استيزار )

يا من يشيد لكل حر محبسا … خوفا على كرسيه المنهار

إن الظلام إذا تناهى غيه … زاد العيون صدى إلى الأنوار

و الحابس الأبطال عن أن يزأروا … ظن الزئير قضى قتل إسار

حتى تكشف عن سراب ظنه … و انفض جوف الصمت عن إعصار

فإذا الحناجر و الزمازم تنبري … غضبى تجوز عليه عقر الدار

هيهات تغلب كل كف شأنها … لمس الحرير تدفق التيار

هيهات يصرع كل فكر ملؤه … همس الطغاة صوارخ الأنكار

ما دام بعض دم الضحية دافقا … فيها فلا ركنت إلى الأظفار

يا شعب أنت غد فإن لم يؤمنوا … بالكادحين فلست للكفار

إن الطغاة نجوم ليل ترتدي … ثوب المغيب و أنت شمس نهار

أنت اندفعت إلى العلاء و غلغلوا … في هوة لا تنتهي بقرار

لا يستوي الجيلان هذا مقبل … نحو الحياة و ذاك في إدبار

ظنونك سخرية الزمان و نهزه … للطامعين و لعبة الأغرار

حتى أبنت عن اللظى في ملمس … و كشفت في شرب عن الأكدار

أنت العباب سجا و أغفى حاجبا … خلف السجو منية البحار

أنت الزمان صفا ليهوي سيفه … بعد الصفاء على يدي جبار

إن الشعوب شكون داء واحدا … رغم التنائي و اختلاف الدار

أغلالهن مجمعات في يد … رعناء تنشرها على الأقطار

فإذا حطمت فلست وحدك حاطما … تلك القيود غنيت بالأنصار

لاوفق الأشرار في أن يخرقوا … قلب النضال بكاذب الأخبار

هل يأمن المطعون من جلاده … إلا لقاء الصارم البتار

و الأرض ليس لها من غاسل … رجس الطغاة سوى دم الثوار