شقَّ الدُّجى عن نحره الفجرُ – ابن معصوم المدني

شقَّ الدُّجى عن نحره الفجرُ … وبَدتْ عليه غلائلٌ خضرُ

وافترَّ يبسمُ عن تبلُّجهِ … ضوء الصباح كأنه ثغر

والشمس قد نهضت لمشرقها … فانهض بشمسك أيها البدر

واشفَعْ بها شمسَ الصباح وإنْ … أضحت وبدء شروقها العصر

واستضحك الدهر العبوس بها … فبمثلها يستضحك الدهر

واسْتجلِها بِكراً مُعتَّقة ً … تَصبو إليها العاتِقُ البِكرُ

حمراءُ تسطعُ في زجاجتِها … فكأنَّها لو لم تذب جَمرُ

وكأنما إبريقها سحراً … إذْ قَهقَهَتْ لحَمامِه وَكْرُ

جليت على خطابها فحكت … عَذراءَ ما عن وصلِها عُذرُ

يسعى بها ساقٍ لواحظه … سكرى وصفو رضابه خمر

حلوُ الهوى عَذبٌ مقبَّلُه … لكن مذاق مطاله مر

أو غادة ٌ رُؤدٌ غدائرُها … ليلٌ وضوء جبينها فجر

هيفاءُ لولا عَقْدُ مِنْطَقِها … لم يستقلَّ بِردْفها الخِصرْ

خرعوبة ٌ جمٌ محاسنها … لكنما إحسانها نزر

في روضة ٍ وشَّى الربيعُ لها … حللاً فطرز وشيها القطر

والبرق شق بمرجها طرباً … جيب الحيا فتبسم الزهر

وشَدَت بها الوَرقاءُ مطربة ً … فتمايست أغصانُها الخُضرُ

واهاً لمجلسنا وقد جمعت … فيه المُنى وتهتَّك السِّترُ

إبريقنا ذهبٌ وخمرته … ياقوتَة ٌ وحَبَابُها دُرُّ

وليومنا وسقاة أكؤسنا … صبحٌ أغر وأوجهٌ غر

دعتِ المُدامُ إلى الصَّبوح به … من ليس يُثقلُ سمعَه وَقْرُ

إنْ لم يَطبْ سُكرٌ لشاربها … فمتى يَطيبُ لشارب سُكرُ

فاشرب ولا تقل الزمان قضى … أن لا يفوز بلذة ٍ حر

شمل الزمان ندى أبي حسنٍ … فصفا وزال بيسره العسر

وسرت تَهلَّلُ من أناملِهِ … لبني الرجاء سحائبٌ عشر

سحبٌ ولكن ودق صيبها … تِبرٌ ولمعُ وميضِها بِشرُ

فالخلق من يمنى يديه لهم … يمنٌ ومن يسراهما يسر

وحكَتْ عوارفُه معارفَه … فتدفقا فكلاهما بحر

بحرٌ ولكن لجُّ نائِله … ما رد سائل فيضه نهر

برَّت باخلاصٍ سريرتُه … فهو التقي المخلص البر

أسمِعْ به وانظر إليه تَجِدْ … خبراً يحقق صدقه الخبر

ذو همَّة ٍ كادَت لعزمتها … صم الصخور يذيبها الذعر

لو رامَ يصطادُ النجومَ بها … لم يأو وكر سمائه النسر

من دَوحة سُقيت أرومتُها … ماء العلى ونما بها الفخر

فتهدلت أغصانها كرماً … زكت الفروعُ وأنجبَ العِتْرُ

يا أيها البدء الذي شكرت … جَدوى يديه البدوُ والحَضْرُ

شعري بمدحك لا أضن به … فلمثل مدحك ينظم الشعر

وإليهكا عقداً مفصلة … لم يحل قط بمثلها نحر

وافت مُهنِّئة بمرتبة ٍ … بك قد سما لمقامها قدرُ

واسلم مدى الأيّام مُرتقياً … رتباً يضيق لعدها الحصر