سقى اللهُ بالكفر الأباظيِّ مضجعاً – أحمد شوقي

سقى اللهُ بالكفر الأباظيِّ مضجعاً … تضَّوع كافوراً من الخلد ساريا

يطيب ثرى بردينَ من نفح طيبه … كأن ثرى بردينَ مسّ الغواليا

فيا لَكَ غِمداً من صَفيحٍ وجَنْدَلٍ … حوَى السيفَ مَصقولَ الغِرارِ يَمانيا

وكنا استلَلْنا في النوائب غَرْبَهُ … فلم يلفَ هيّاباً، ولم يلف نابيا

إذا اهتزَّ دونَ الحقِّ يَحمي حِياضَه … تأَخَّر عنها باطلُ القومِ ظاميا

طوتهُ يدٌ للموت، لا الجاهُ عاصماً … إذا بطشتْ يوماً، ولا المالُ فاديا

تنالُ صبا الأعمار عند رفيقه … وعندَ جفوفِ العودِ في السنِّ ذاويا

وبعضُ المنايا تُنْزلُ الشَّهْدَ في الثرى … ويحططنَ في الترب الجبالَ الرواسيا

يقولو: يرثي الراحلين، فويحهم … أأملتُ عندَ الراحلين الجوازيا؟

أبوا حسداً أن أجعل الحيَّ أسوة ً … لهم، ومثالاً قد يصادفُ حاذيا

فلمّا رثيتُ الميتَ أقضي حقوقه … وجدتُ حسوداً للرُّفاتِ وشانيا

إذا أَنت لم ترْعَ العهودَ لهالكٍ … فلستَ لحيٍّ حافظَ العهد راعيا

فلا يطوين الموتُ عهدك من أخٍ … وهبهُ بوادٍ غيرِ واديك نائيا

أَقام بأَرضٍ أَنت لاقِيه عندَها … وإن بتما تستبعدان التلاقيا

رَثيْتُ حياة ً بالثناءِ خليقة ً … وخليتُ عهداً بالمفاخر حاليا

وعزَّيْتُ بيتاً قد تبارَتْ سماؤُه … مشايخَ أقماراًن ومرداً دراريا

إلى الله إسماعيلُ وانزِلْ بساحة ٍ … أظلَّ الندى أقطارها والنواحيا

تَرَى الرحمة َ الكبرى وراءَ سمائها … تَلُفُّ التُّقى في سَيْبِها والمَعاصيا

لدى ملكٍ لا يمنع الظلَّ لائذاً … ولا الصفحَ تواباً، ولا العفوَ راجيا

وأقسمُ كنتَ المرءَ لم ينسَ دينه … ولم تلههِ دنياؤه وهيَ ماهيا

وكنتَ إذا الحاجاتُ عزَّ قضاؤها … لحاجِ اليتامى والأَراملِ قاضيا

وكنتَ تُصلِّي بالملوكِ جماعة ً … وكنت تقوم الليلَ بالنفس خاليا

ومَن يُعْطَ من جاهِ الملوك وَسِيلة ً … فلا يصنع الخيراتِ، لم يعطَ غاليا

وكنتَ الجريءَ النَّدْبَ في كلِّ موقفٍ … تلفَّتَ فيه الحقُّ لم يَلْقَ حاميا

بصرتُ بأخلاقِ الرجالِ فلم أجدْ … ـ وإن جَلَت الأَخلاقُ ـ للعزم ثانيا

من العزمِ ما يُحيي فُحولاً كثيرة ً … وقدَّمَ كافورَ الخَصِيّ الطَّواشِيا

وما حطَّ مِنْ رَبِّ القصائد مادحاً … وأنزله عن رتبة ِ الشعر هاجيا

فليس البيانُ الهجوَ إن كنت ساخطاً … ولا هو زُورُ المدحِ إن كنتَ راضيا

ولكنْ هدى الله الكريمِ ووحيه … حَملتَ به المصباحَ في الناسِ هادِيا

تُفيض على الأَحياءِ نوراً، وتارة ً … تضيءُ على الموتى الرَّجامَ الدَّواجيا

هياكلُ تفنى ، والبيانُ مخلدٌ … أَلا إنّ عِتْقَ الخمرِ يُنْسِي الأَوانيا

ذهبْت أَبا عبدِ الحميدِ مُبَرَّءاً … من الذَّام، محمودَ الجوانبِ، زاكيا

قليلَ المساوي في زمانٍ يرى العلا … ذُنوباً، وناسٍ يَخْلُقون المساويا

طوَيناك كالماضي تَلقَّاه غِمدُه … فلم تسترح حتى نشرناك ماضيا

فكنتَ على الأَفواه سيرة َ مُجمِلٍ … وكنت حديثاً في المسامع عاليا

وفيتَ لمن أدناكَ في الملك حقبة ً … فكانَ عجيباً أَن يَرى الناسُ وافيا

أَثاروا على آثار مَوْتِكَ ضَجّة ً … وهاجُوا لنا الذكرى ، وَردُّوا اللياليا

ومن سابقَ التاريخَ لم يأمن الهوى … مُلِجّاً، ولم يَسلَم منَ الحِقْدِ نازيا

إذا وضعَ الأحياءُ تاريخَ جيلهم … عَرفتَ المُلاحي مِنهمُ، والمُحابيا

إذا سلم الدستور هان الذي مضى … وهان من الأحداثِ ما كان آتيا

أَلا كلُّ ذَنْب لِليالي لأَجله … سدلنا عليه صفحنا والتناسيا