زمان الحمى هل من معاد فنطمعا – إبراهيم اليازجي
زمان الحمى هل من معاد فنطمعا … ونمسك أكباداً تذوب وأضلعا
ويا منزل الأحباب هل فيك وقفة … تجدد تذكاري وإن كان موجعا
ويا نسمات المنحنى كيف أهله … وهل طاب بعدي ذلك الحي مرتعا
قضى الدهر فينا بالفراق وطالما … عهدناه قدماً بالجماعات مولعا
نبيت ونغدو والليالي بمرصد … تراقب منا كل شمل تجمعا
ولو لم تروعنا بتصديع ألفة … كفانا ارتياعاً خوف أن نتصدعا
ويا رب يوم قد أطال تلهفي … فلم يرني إلا حبيباً مودعاً
فمن عبرة سألت بنحري وزفرة … بها رحت من بعد الوداع مشيعا
وباكية لما أظل فراقنا … وما أوشكت ترجو لوصلي مرجعا
تكفكف دوني عبرة بعد عبرة … على صفح خد بات بالدمع أسفعا
أقلي فقد أشجيت بالنوح أضلعي … وغادرت قلبي بالشجون مروعا
وكفى أليم اللحظ عن قلب مدنف … رمته النوى من قبل سهميك أربعا
فما باختياري كان ذا البعد بيننا … ولكنه شأن أبي أن يضيعا
ذريني وهذا الشوق يتلف مهجتي … فإني رأيت الخسف أعظم مصرعا
أبي الله أن أرضى المقام ببلدة … أرى الفضل فيها بالخمول ملفعا
فما وطني أرض نبت بفضائلي … ولو كان فيها العيش أخضر ممرعا
ولا اصطفى من كان فضلي عدوه … ولو جادلي من بعد بالود أجمعا
معاهد فيها يبرز اللؤم صفحة … وتنكر وجه الحر إلا مقنعا
أناخ بها ركب الغواية عائشاً … وجاس حماها مربعاً ثم مربعا
ومد أتي الجهل بالجور فوقها … إلى أن غدا حوض الخباث مترعا
فيا لك شراً أي أم تمخضت … به وغذته الشؤم حتى ترعرعا
ويا لك أياماً أرتنا صروفها … عجائب لم يطرقن في الحلم مضجعا
ولم يبق إلا أن نرى الشمس أشرقت … من الغرب حتى تجعل الغرب مطلعا
فيا دهر جد ذاك أم أنت هازل … وكيف بمن لم يدر للهزل منزعا
تدرعت فيك الصبر حتى إذا عفا … تخذت حمى العباس حصناً ومفزعا
مليك غدا قطب المكارم والندى … وبات حماه للرغائب مجمعا
سلالة بيت المجد والعز والعلى … وصفوة من في دستهم قد تربعا
همام تولى الأمر وهو على شفا … فشيد من اركانه ما تضعضعا
وناهض جيش الحادثات بهمة … قد اتخذت افق السماكين موضعا
يقود لها جيشاً من الرأي غازياً … يلي خلقاً رحباً وقلباً مشيعا
تفل شباة الخطب في كل غمرة … له نظرة تصمي الحديد الموتعا
فتى خاض لج الحادثات وضحلها … وما شر ريحيها رخاء وزعزعا
فما زال في الحالين مرفوع راية … تلاقيه أعناق الطوارق خضعا
تقلد أعباء السياسة امرداً … وقد عرفته قبل ذلك مرضعا
فكانت له أما وكان لها أبا … غذته ورباها وقد نشأ معا
فسيح ظلال الملك أضحى فناؤه … ملاذا لأحرار النفوس ومنجعا
به اعتصمت آمال قوم أنالهم … من الفضل ما لم يبق في النفس مطمعا
وعز به من لم يعززه معشر … فأصبح ذا ظفر وإن كان أقطعا
وأصبح ناب البغي في ظل عدله … كليلاً وعرنين المظالم أجدعا
كذا كان آباء الأمير وانه … ليجري على آثارهم متتبعا
سراة بنوا صرحاً من المجد باذخاً … وشادوا له بالعز سواراً ممنعا
وسنوا الندى والعدل للناس فاقتدى … بهم من بغي في ذروة المجد مفرعا
لهم في حمى مصر عظائم لم تزل … لديهن أبصار الحوادث خشعا
غطارفة تمضي العصور وذكرهم … فتي شباب كلما شخن أيفعا
ولو أغفل التأرخ ذكر فعالهم … دعا ناطق الآثار منها فأسمعا
ودونك يا مولاي مدحة عاجز … بها لوفا حق الجميل تذرعا
لئن عيب بالتقصير فيك ثناؤه … فقد أمن التزوير فما لك أدعى
ومثلك من لا يبلغ المدح وصفه … ولو أسهب المثنى عليك وأبدعا
وحسب مديحي فيك أني زنته … بما فيك من حسن الخلائق أودعا
صفات زهت حسناً فكانت كروضة … وكنت بمدحيها الهزار المرجعا
إلى بابك العالي سريت وقبلتي … نجوم المنى في أفق فضلك طلعا
وانزلت رحلي منك في خير بقعة … أرى أمما فيها بظلك رتعا
فدم وابق واسلم وارق وانعم لا تزل … مقابلة نعماك بالحمد والدعا
فلو كانت الآمال طيراً بروضة … لما كن إلا في فنائك وقعا