زازا – إبراهيم ناجي
أنا وحدي في البيدِ حيرانُ هائمْ … فمتى تذكرُ القفارُ الغمائمْ
رحمةً يا سماء إن فمي جفّ … وحلقي عن المواردِ صائمْ
غاض نبع المُنى ولم يبقَ حتى … ومضة الحلم في محاجر نائمْ
أيها الطاعم الكرى ملء جفنيك … وجفني من الكرى غيرُ طاعمْ
أَبكني واستبِد بي واقضِ ما شاء … لك الحسنُ فيَّ وظلِمْ وخاصمْ
غير هذا النوى فإن لياليه … ظلالٌ من المنايا حوائمْ
تضمحلُّ الحياةُ فيه وتنهدُّ … كأن النهارَ معْولُ هادمْ
لا تكلْني لذلك الأبد الأسود … في قاع مُزبدِ اللُّج قاتمْ
لا تكلني لِهُوَّة تعصف الأشباحُ … في جوفها وتعوي السمائمْ
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ … في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ
لا تكلْني إلى جناحِ عُقابٍ … في ضلوعي محَلِّق الرعبِ جاثمْ
لا تكلْني لضائع في حنايا … ها غريب في مهمهٍ من طلاسمْ
يسأل الزهرُ والخمائلُ والأنْوارُ … عن تِربها الضحوك الباسمْ
ذاق ما ذاق في الصبابة إلا … ذبحة الروح وانفصال التوائمْ
إن تَعُدْ محسناً إليّ فعُد بي … للعهود المقدسات الكرائمْ
وإذا ما رأيتَ عزميَ ينهارُ … فثِّبتْ بالذكريات الدعائمْ
جئتني في الخريف والروضُ عارٍ … فكسوتَ الربى عذارى البراعمْ
وأجال الربيع أخضرَ كفّيهِ … ليمحو اصفرارَه المتراكمْ
رحلة للنجوم لم تك أوهاماً … وبعضُ النعيمِ أوهامُ حالمْ
آه كم ليلة أراجع أيامي … أعُدُّ العُلى وأُحصي العظائمْ
وحسبت الخسران فيها فكان … الغبنُ عندي زمانيَ المتقادمْ
قبل أن نلتقي فلما تلاقينا … عرفت الغنى وذقت المغانمْ
حيثما أغتدي فإن الدراري … ملءُ روحي وفي خيالي بواسمْ
إن أبتْ جائعاً فثمّة زادي … أو أبتْ معسراً فثمَّ الدراهمْ
وعجيبٌ قد كنت لي حسد الحساد … فيها وكنت أنت التمائمْ
بالذي صنتُ عهدَه لم أخنْهُ … ومتى خانتِ الأكفُّ المعاصمْ؟
والذي حكمه كأقدار عينك … فما منهما ولا منه عاصمْ
أيُّ صوتٍ من الغيوب يناديني … فأطوي له الدُّنى والمعالمْ
قدر مشعلٌ على شفةٍ تدعو … فأخطو على اللظى غيرَ نادمْ
وفؤادي يحومُ بالنار لا يحفل … أني على المنيَّة حائمْ
الهوى مصرعي وكم من حِمامٍ … كان باباً إلى الخلود الدائمْ
وطريقاً من الأسنّةِ والشوكِ … روتْ أرضَه الدموعُ السواجمْ
شهد اللهُ ما قضيتُ الليالي … ناعمَ الجنب فوق مهدٍ ناغمْ
أيُّ جَيشيك مغرقي ليلي الطاغي … أم الشوق وحدهُ وهو عارم؟
آهِ مِن رُبما ومن أملٍ يُمْسكُ … نفسي رجاء يومٍ قادم
قد تجيءُ الأنباءُ من شاطئ النيل … غداً والمبشراتُ النسائمْ
وتكونُ النجاةُ في القمر الساري … على زورقٍ من النورِ حالمْ