رعينَ كما شئنَ الربيعَ سوارحاً ، – ابن المعتز
رعينَ كما شئنَ الربيعَ سوارحاً ، … يَخُضْنَ كلُجِّ البحرِ بَقلاً وأعشابَا
إذا نَسَفَت أفواهُها النَّورَ خِلتَه … مواقعَ أجلامٍ على شعرٍ شابا
فأفنَينَ نَبتَ الحائِرَينِ وماءَه، … وأجراعَ وادي النخل أكلاً وتَشرابا
حواملُ شحٍّ جامدٍ فوق أظهُرٍ، … و إنْ تستغثْ ضراتهنّ بهِ ذابا
بطانُ العوالي والسيوفِ بغرها ، … ويَكشِرنَ أضراساً حِداداً وأنْيابا
إذا ما رَعَتْ يوْماً حسِبتَ رُعاتَها … على كلّ حيٍّ يأكلُ الغَيثَ أربابا
فقد ثقلت ظهرَ البلاد نواهكاً ، … إذا ما رآها عينُ حاسدها عابا
وكان الثّرى فيها مَزاراً مُوَقَّراً، … تضمّنَ شَهداً بل حلا عنه أو طابا
إذا ما بِكاة ُ الدَّرِّ جادَتْ بمَبعَثٍ، … كما سلّ خيطٌ من سدى الثوب فانسابا
رأيتَ انهمارَ الدَّرِّ بينَ فُروجِها، … كما عصَرت أيدي الغواسل أثوابا
كأنّ على حلابهنّ سحائباً ، … تجود من الأخلافِ سحّاً وتَسكابا
خوازنُ نَحضٍ في الجُلودِ، كأنّما … تُحمَّلُ كُثباناً من الرّملِ أصْلابا
فتلكَ فداءُ العرضِ من كلّ ذيمة ٍ ، … و مفخرُ حمدٍ يبلغُ الفخرَ أعقابا
وليلة قُرٍّ قد أهنتُ كريمَها، … و لم يكُ بي شحٌّ على الجود غلابا
وقُمتُ إلى الكومِ الصّفايا بمُنصُلي، … فصَيّرتُها مَجْداً لقَوْمي وأحْسابا
فباتَت عَلى أحجارِنا حَبشيّة ٌ … تخاطبُ أمثالاً منَ السودِ أترابا
يكادُ يبُثُّ العظمَ ماردُ غَلِيها، … إذا لبستْ من يابسِ الجزل جلبابا
عجالاً على الطاهي بإنضاجِ لحمهِ ، … سراعاً بزاد الضيفِ تلهب إلهابا
وقد أَغتدي من شأنِ نفسي بسابحٍ، … جوادٍ كميتِ اللونِ يعجبُ إعجابا
فأتحَفَني ما ابتلّ خَطُّ عِذاره، … فإن شئتُ طيّاراً، وإن شئتُ وثّابا
فنلنا طريَّ اللحمِ ، والشمسُ غضة ٌ ، … كأنّ سناها صبّ في الأرض زريابا
فإن أمسِ مطروقَ الفؤادِ بسلوة ٍ ، … كأنّ على رأسي من الشيبِ أغرابا
و خلتُ نجومَ الليلِ في ظلم الدجى … خِصاصاً أرى منها النهار وأنقابا
و فجعني ريبُ الزمانِ بفتية ٍ ، … بهم كنتُ أكفى حادثَ الدهر إن رابا
و آبَ إليّ رائحُ الذكرِ والتقتْ … على القلبِ أحزانٌ ، فأصبحنَ أوصابا
فقد كان دأبي جنة َ اللهوِ والصبا ، … و ما زلتُ بالذاتِ والعيشِ لعابا
وليلة ِ حُبٍّ قد أطَعتُ غَوِيَّها، … وزُرتُ عَلى حَدٍّ من السيفِ أحبابا
فجِئتُ على خوْفٍ ورُقبة ِ غائرٍ، … أُحاذِرُ حُرّاساً غِضاباً وحُجّابا
إلى ظبية ٍ باتتْ ترى في منامها … خيالي ، فأذناني ، وما كان كذابا
وكأسٍ تلقّيْتُ الصّباحَ بشُرْبِها، … وأسقيتُها شَرباً كِراماً وأصحابا
ثوت تحتَ ليلِ القارِ خمسينَ حجة ً ، … تردُّ مهوراً غالياتٍ وخطابا
وكنتُ كما شاءَ النّديمُ، ولم أكُنْ … عليها سفيهاً يفرسُ الناسَ صخابا
وغِرّيدِ جُلاّسٍ تَرى فيه حِذقَه، … إذا مسّ بالكفينِ عوداً ومضرابا
كأنّ يديه تلعبانِ بعودهِ ، … إذا ما تَغَنّى أنهضَ النّفسَ إطرابا
وقُمريّة ِ الأصواتِ حُمْرٍ ثيابُها، … تهينُ ثيابَ الوشي جراً وتسحابا
وتلقَطُ يُمناها، إذا ضربت به، … وتَنثُرُ يُسراها على العُودِ عُنّابا
و ديمومة ٍ أدرجتها بشملة ٍ ، … تشكى إليّ عضَّ نسعٍ وأقتابا
تَفِرُّ بكفّيْها، وتطلُبُ رحلَها، … و تلقي على الحادينَ ميسانَ ذبابا
كأنّي علَى طاوٍ من الوَحشِ ناهضٍ، … تَخالُ قُرُونَ الإجل من خلفِه غابا
غدا لثقاً بالماءِ من وبلِ ديمة ٍ ، … يقلبُ لحظاً ظاهرَ الخوفِ مرتابا
فأبصرَ لمّا كانَ يأمنُ قلبُه، … سلوقية ً شوساً تجاذبُ كلابا
وأطْلَقنَ أشْباحاً يُخَلْنَ عَقارِباً، … إذا رفعتْ عندَ الحفيظة ِ أذنابا
فطارت إليه فاغراتٍ كأنها … تُحاوِلُ سَبقاً، أو تُبادِرُ إنهابا
وماءٍ خَلاءٍ قد طرقتُ بسُدفة ٍ، … تخالُ به رِيشَ القَطا الكُدرِ نُشّابا
و قد طالما أجريتُ في زمن الصبا ، … وآمَنَ شَيطاني مِن الآن أو تابا
أرى المرءَ يدري للرزقِ ضامناً ، … و ليس يزالُ المرءُ ما عاشَ طلابا
و ما قاعدٌ إلاّ كآخرَ سائرٍ ، … و إن أدأبَ العيسَ المراسيلَ إدآبا
فيا نفسِ إنّ الرزقَ نحوكِ قاصدٌ ، … فلا تَتعَبي، حَسبي من الرّزق أتعابا