رثاء كلب صغير – إبراهيم ناجي

قالت “لميكي” سِرْ بنا … نمشي لحاجتنا الهُوَيْنى

فأطاع مسروراً كعادته … ولم يسأل لأيْنا

فيم السؤال وكل شيءٍ … طيِّبٌ من أجلها

وبنفسه حبٌّ قُصاراه … الحياةُ بظلها

ماذا تغيّر عزّة … أو ذلّة في حبها

سارت وكلُّ متاعِهِ … في أن يسير بقربها

يستاف نعلَيْها ويأبي … في الوجودِ مُنافسا

فإذا تخيّل دانياً … من ترْبِها أو لامسا

يختال مِلْءَ نُباحِهِ … زَهْواً ويخطرُ حارسا

عجباً له ولزهوه … ما يصنع الواهي الصغيرْ؟

ما يصنع النابُ الضعيفُ … وما يُخيفُ ولا يُجيرْ؟

لكنّ “ميكي” لا يبالي … أن يموت فداءها

في وثبه هيهات يسأل … ما يكون وراءها

الأمرُ كلُّ الأمر أن … يغدو يدافع دونها

والنفس تُنكر في الضحيَّة … عقلها وجنونها

من ذلك الظلُّ الملازم … في الحياة وفي الطريقْ؟

المخلصُ الوافي إذا … عَزَّ المنادمُ والرفيقْ

من قلبُه صافٍ وديدنُه … الولاءُ المطلقُ

فكأنما فيه الولاء … سجيَّةٌ تتدفقُ

وإذا أُسِيءَ فإن أسمى … الحبّ أن يُبدي رضاءَهْ

والصفح عند ذوي القلوبِ … البيضِ من قبل الإساءَهْ

مهما نظرت له نظرت … إلى مَعِينٍ من حنان

يُفضي إليك بسره … الذَنَبُ الصغير ومقلتان

لا بأس إنْ هند جفت … وقست أليست ربَّتَه؟

أَقْصَتْهُ ثم تلفَّت … ترجو إلَيها أوْبته

زَجَرتْه أو نهرته أو … كفَّتْ على جُرْمٍ يده

فهي التي لم تَنْسَهُ … والأكل ملءُ المائده

وهو الذي في بعدها … لم يألُها طولَ ارتقاب

يقظان ينتظر المآب … وَثَوى يُرَاقبَ خَلْف بَاب

هند التي اتَّخذته من … دون الخلائق إلْفَها

بحثت عن الإلْف الصغير … فلم تجدْه خلفها

ميكي وما ميكي ومصرعُه … على الدنيا جديد

نفسٌ يذوب وصرخةٌ … تدوي هنالك من بعيد

وتلفَّتَت هندٌ لموضعه … تغالب وَجْدَها

لا شيءَ. قد سارت … برفقته وترجعُ وحدها

خرجت به جذلانَ يضحك … مثلما ضحك الصباح

فكأنما خرجت به … ليُلاقيَ القَدَر المُتاح

سارتْ به صبحاً وعادت … بالمواجع والدموع

يغدو الحزينُ على الأسى … وأشقُّ شَطْريْه الرجوع