ذكرتُكَ حين ألقتْ بي عصاها النْ – ابن الرومي

ذكرتُكَ حين ألقتْ بي عصاها النْ … نَوى يوماً بنهر أبي الخصيبِ

وقد أرستْ بنا في ضَفَّتيه الر … جواري المنشآت مع المغيبِ

غدونَ بنا ورُحْنَ محمَّلاتٍ … قلوباً مُوقَرَات بالكُروبِ

تجوز بنا البحار إذا استقلَّتْ … وتُسلمُها الشَّمالُ إلى الجنوبِ

وبين ضلوعها أبناءُ شوقٍ … نأتْ بهم عن البلد الرحيبِ

نأتْ بهمُ عن اللذات قَسْراً … ووصل الغانيات إلى الحُروبِ

إلى دارٍ أبتْ فيها المنايا … رجوعاً للمحب إلى الحبيبِ

فقلت ومقلتاي حياءَ صحبي … تذودان الجفونَ عن الغروبِ

لعل الفردَ ذا الملكوت يوماً … سيَقضي أوبة َ الفرد الغريبِ

فما برحتْ عن العِبْرَيْن حتَّى … رُددْنَ إلى الأُبُلَّة من قريبِ

وراحت وهي مثقَلة تهادَى … إلى مغنى أبي الحسن الجديبِ

محلٌّ ما ترى إلا صريعاً … به ملقى ً وذا خد تَريبِ

وطال مقامنا فيه وكادتْ … تنال نُفُوسَنا أيدي شَعُوبِ

فلم تك حيلة ٌ نرجو خَلاصاً … بها إلا التضرُّعَ للمجيبِ

ولما حُمَّ مرجِعُنَا وصحّتْ … على الإيجاف عَزْمات القلوبِ

دَخَلْنَا من بنات البحر جونا … تهادى بين شبَّان وشيبِ

نواجٍ في البطائح ملقِيَاتٌ … حيازمَها على الهول المهيبِ

مُزمَّمَة ُ الأواخرِ سائراتٌ … على أصلابها شَبَهَ الدبيبِ

تكادُ إذا الرياحُ تعاورتْها … تفوتُ وفودَها عند الهبوبِ

مسخرة ً تجوب دجى الليالي … بمثل الليل كالفرس الذَّنوبِ

أبت أعجازُها بمقدَّماتٍ … لها إلا مطاوعة َ الجنُوبِ

غَنِينَ عن القوادم والهوادي … وعن إسْرَاجِهِنَّ لدى الركوبِ

حططنَ بواسطٍ من بعد سبعٍ … وقد مال الشروقُ إلى الغروبِ

ووافتنا رياحٌ حاملاتٌ … إلينا نشرَ لابسة ِ الشُّرُوبِ

أتت نِضْواً بَرتْهُ يدُ الليالي … وأنحل جسمَه طولُ اللغوبِ

وأَلبستِ الهواجرُ في الفيافي … نضارة َ وجههِ ثوبَ الشحوبِ

فلم نملك سوابق مُقْرَحَاتٍ … من الأجفان بالدمع السكوبِ

ولما شارفتْ بغداذ تسري … بنا والليل مَزْرُورُ الجيوبِ

وقد نُصبتْ لها شُرُعٌ أُقيمتْ … بهنّ صدورُهُنَّ عن النكوبِ

تضايق بي التصبّرُ عنك شوقاً … وأسلمني الزفيرُ إلى النحيبِ

وبِتُّ مراقباً نجمَ الثريّا … مراقبة َ المُخالِسِ للرقيبِ

وما طَعِمتْ جفوني الغمضَ حتى … حللتُ عِراصَ دور بني حبيبِ

وفي قُطربُّلٍ أطلالُ مَغنى ً … بهن ملاعبُ الظبي الرَّبيبِ

فكم لي نحوهنّ من التفاتٍ … وأنفاسٍ تَصعَّد كاللهيبِ

ومن لحظات طرفٍ طاوياتٍ … حشايَ برجعهنَّ على نُدوبِ

ورحنا مسرعين إليك شوقاً … مسارعة َ العليلِ إلى الطبيبِ

لكي نُرْوي نفوساً صادياتٍ … بقربٍ منك للصادي مُصيبِ

وجاوزنا قرى بغداذ حَتَّى … دَلَلْنَا عليك أصواتُ الغروبِ

وهَيَّجَتِ الصَّبَا لمَّا تبدَّتْ … بريّاً منك في القلب الكئيبِ

وواجهنا بغرة سُرَّمَنْ را … وجُوهاً أكذبتْ ظنَّ الكذوبِ

وردَّتْ ماءَ وجهي بعد ظِمْءٍ … وسودَ غدائري بعد المشيبِ

فسبحان المؤلِّف عن شتاتٍ … ومن أدنى البعيد من القريبِ

ولم يُشْمِتْ بنا داوودَ فيما … رجا سَفَهاً وأمَّلَ في مغيبي