أخفُّ مناطاً في الرقاب وأوْكَدُ – ابن الرومي
أخفُّ مناطاً في الرقاب وأوْكَدُ … على ما مضى ؟أم حسرة ٌ تتجدد؟
خليليَّ ما بعد الشباب رزية … يُجَمُّ لها ماء الشؤون ويُعْتَدُ
ولا تعجبا لِلْجَلْدِ يبكي فربّما … تفطر عن عينٍ من الماء جلمدُ
شبابُ الفتى مجلودُه وعزاؤه … فكيف؟وأنَّى ؟بعده يتجلَّدُ
وفَقْدُ الشَّبابِ الموتُ، يوجد طعْمُهُ … فصادَف قَتَّالَ الطُّغاة ِ بمَرْصَدٍ
رزئت شبابي عودة بعد بدأة ٍ … وهن الرزايا بادياتٌ وعوّدُ
سُلِبتُ سوادَ العارضَيْن، وقبلُهُ … بياضَهما المحمودَ إذ أنا أمْردُ
وبُدّلتُ من ذاك البياض وحسنهِ … بياضاً ذميما لا يزال يُسَوّدُ
لشتان ما بين البياضين:معجبٌ … أنيقٌ ومشنوء إلى العين أنكدُ
تضاحك في أفنان رأسي ولحيتي … وأقبحُ ضَحَّاكَيْن: شَيْبٌ وأدْردُ
وكنتُ جلاءً للعيون من القذى … فقد جعلَتْ تقذَي بشيبي وتَرقدُ
هي الأعينُ النجلُ التي كنتَ تشتكي … مواقِعَها في القلب، والرأسُ أسودُ
فما لك تأسَى الآن لما رأيتها … وقد جعلت مرمى سواكَ تَعمَّدُ
تَشَكَّي إذا ما أقصدتكَ سهامُها … وتأسَى إذا نكَّبْنَ عنك وتَكْمدُ
كذلك تلكَ النبلُ مَنْ وقعت به … ومن صُرفتْ عنه من القوم مُقصَدُ
إذا عدلتْ عنا وجدنا عدولَها … كموقعها في القلب بل هو أَجهدُ
تنكّبُ عنا مرة ً فكأنما … مُنَكِّبُهَا عنا إلينا مُسَدِّدُ
كفى حزناً أن الشباب معجلٌ … قصيرُ الليالي والمشيب مخلّد
إذا حَلَّ جَارَى المرء شأْوَ حياته … إلى أن يضم المرءَ والشيبَ ملحد
أرى الدهرَ أجْرَى ليله ونهاره … كَمَا أنَّه وِتْرٌ ـ إذا عُدَّ ـ سُؤْددُ
وجار على ليلِ الشباب فضامَه … نهارُ مشيبٍ سرمد ليس ينفد
وعزاك عن ليل الشباب معاشرٌ … فقالوا: نهارُ الشيب أهدى وأرشدُ
وإن سُلَّ منها فالْفَرائضُ تُرْعَدُ … ولكنّ ظلّ الليل أندى وأبرد
أقول، وقد شابتْ شَوَاتِي وَقَوَّسَتْ … قناتي وأضْحَت كِدْنِتي تَتَخدَّدُ
ودبّ كلالٌ في عظامي أدبَّني … ويوصف إلا أنه لا يُحَدّدُ
وبورك طرْفي فالشخوص حياله … قَرَائن من أدنى مدى ً وَهْيَ فُرَّدُ
بحيث يراعيه الأَصَلُّ الخَفَيْدَدُ … سليمى وريّا عن حديثي ومهددُ
وبُدِّل إعجاب الغواني تعجباً … وَهُنَّ الرزايا بادئاتٌ وعُوَّدُ
لِمَا تُؤذن الدنيا به من صروفها … يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها وإنها … وماليَ إلاَّ كفُّها مُتَوَسَّدُ
اذا ابصر الدنيا استهل كأنه … بما سوف يلقى من أذاها يُهَدَّدُ
وللنفس أحْوال تظلُّ كأنها … تشاهِد فيها كلَّ غيب سيُشهَدُ
لعبتُ بأولى الدهر فاغْتَال شِرَّتي … بأخرَى حقودٍ والجرائم تحقد
فصبراً على ما اشتدّ منه فانمأ … يقوم لما يشتد من يَتَشدَّدُ
تذيق الفتى طوْرَى رخاء وشدة … حوادثهُ والحولُ بالحولِ يُطرد
ومالي عزاء عن شبابي علمتُه … سوى أنني من بعده لا أُخَلَّدُ
وأن مَشِيبي واعدٌ بلَحَاقه … وإنْ قال قوم إنه يَتَوَعَّدُ