دع الندامة لا يذهب بك الندم – ابن معصوم المدني
دع الندامة لا يذهب بك الندم … فلست أول من زلت به قدم
هي المقادير والأحكام جارية ٌ … وللمهيمن في أحكامه حِكمُ
خفِّض عليك فما حالٌ بباقية ٍ … هيهات لا نعمٌ تبقى ولا نقم
قد كنت بالأمس في عز في دعة ٍ … حيث السرور وصفوا العيش والنعم
واليوم أنتَ بدار الذلِّ مُمتهنٌ … صفرُ اليدين فلا بأسٌ ولا كرمُ
كأن سيفك لم تلمع بوراقه … وغيث سيبك لم تهمع له ديم
ما كان أغناكَ عن حِلٍّ ومرتحلٍ … لولا القضاءُ وما قد خطَّه القلمُ
يا سفرة ً أسفرت عن كلِّ بائِقة ٍ … لا أنتجت بعدك المهرية الرسم
حللت في سوح قومٍ لا خلاق لهم … سِيان عندهم الأنوارُ والظُّلمُ
تسطو بأسدِ الشَّرى فيها ثعالبُها … والصقر تصطاده الغربان والرخم
ويفضل الغمدُ يومَ الفخر صارمَه … وتستطيلُ على ساداتها الخدمُ
إن لم يبِنْ لهم فضلي فلا عَجبٌ … فليس يطرب شادٍ من به صمم
أو أنكروا في العلى قدري فقد شهدت … حتماً بما أنكروه العُربُ والعجمُ
ما شان شأني مقامي بين أظهرهم … فالتبرُ في التُّرب لم تنقص له قِيمُ
لا تعجبوا لهمومي إن برت جسدي … وأصبحت نارُها في القلب تَضطرمُ
فهم كل امرئٍ مقدار همته … وليس يفترقان الهَمُّ والهِممُ
لا كان لي في رقاب المعتفين يدٌ … ولا سعت بي إلى نحو العلى قدم
إن لم أشقَّ عُباب البحر ممتطياً … هوجاءَ ليس لها عُقْلٌ ولا خُطُمُ
أما الركابُ فقد أوليتُهنَّ قِلى ً … والخيلُ لا قرعت أشداقَها اللُّجمُ
ما زلتُ أطوي عليها كلَّ مقفرة … يهماء لا نصبٌ فيها ولا علم
فلم أنل عندها مما أُؤمِّلُه … إلاّ أمانيَّ نفس كلُّها حُلمُ
يا للرجال لخطب جل فادحه … حتى المعارفُ ضاعت عندها الذممُ
ما إن وثقت بخلّ أو أخي ثقة ٍ … إلاَّ دهاني بخطب شرُّه عَممُ
وكلُّ ذي رَحمٍ أوليتُه صلة ً … شكت إلى ربِّها من قطعِه الرَّحِمُ
هذا ابن أمي الذي راعيت قربته … ما كان عندي بسوء الظنِّ يُتَّهم
أدنيته نظراً مني لحرمته … وذو الديانة للأرحام يحترمُ
أضحى لعِرضي مع الأعداءِ منتهكاً … وراح للمال قبل الناس يلتهم
ما صانَ لي نسباً يوماً ولا نشباً … ولا رعى لي عهوداً نقضُها يَصِمُ
قد كنتُ أحسبَه بالغيب يحفظني … ولو زواني عنه الموت والعدم
حتى إذا غبت عنه قام منتهباً … داري وراح لما خلَّفتُ يغتنمُ
تالله ما فعل الأعداء فعلته … كلا ولا اهتضموا ما ظل يهتضم
هلاَّ نَهاهُ نُهاه أو حفيظتُه … عن سلب ما حلي النسوان والحرم
وافى بهن وما أوفى بذمته … سلباً عواطل لا سورٌ ولا خدم
أين الفتوة إن لم ينهه ورعٌ … ولم يَخَفْ غبَّ ما قد راح يجترم
هبه أضاعَ إخائي غير محتشمٍ … أليس عن دون هذا المرء يحتشم
كأنَّه كان مطويّاً على إحنٍ … فعندما غبت عنه راح ينتقم
ما كان هذا جزائي إذ رعيتُ له … حقَّ الاخاءِ ولكن للورى شيمُ
فقل سلامٌ على الأرحام ضائعة ً … فقد لعمري أضاعت حقَّها الأممُ