حي الكنانة غدوة استقلالها – جبران خليل جبران

حي الكنانة غدوة استقلالها … واحمد بلاء الصيد من أبطالها

تلك المعاهد البعيد منالها … أدنت مساعيهم بعيد منالها

خطت بما قطرت قلوب شبابها … وبمثله قطرت عقول رجالها

قل للذين تعمدوا إبطالها … لا تسرفوا ما الغنم في إبطالها

يبغون إعجال المطالب كلها … ويعز ما يبغون من إعجالها

فز بالتي واتتك من أمنية … واعتد ما تعتد لاستمالها

وإذا بررت بأمة مغلولة … فالحزم أن تفتك من اغلالها

أمواقف الحلفاء من إعزازها … كمواقف الأعداء من إدلالاله

هي فرصة سنحت ولم يك نافعا … ندم يفت القلب بعد زوالها

سنحت وبالأيام عنها غفلة … هل كان حسن الراي في إفالها

إن السياسة وعرة ومراسها … صعب وواديا لتيه في اذيالها

لا تؤمن الزلات والحكم الهوى … في الفرق بين صوابها وضلالها

لكن هدى فيها لاكنانة نخبة … زكتهم جلاوتهم بمجالها

ما لاجبهة الزهراء إلا صفوة … جمعت عزائمها ليوم نضالها

من كل أروع باسل ومحنك … درب ومبرم عقدة حلالها

ومثقف ثبت وندب حول … يتتبع الشبهات في تجوالها

مسلح بالراي ليس يفوته … في كل معضلة جواب سؤالها

ومراقب في نفسه وبلاده … ذمم العلى مستمسك ببالها

ومعود في خوض كل كريهة … ألا يباليها على أهوالها

رمت الكنانة إذ رمت أهدافها … بهم فكانوا صائبات نبالها

ولو أنها جنحت إلى خذلانهم … لغدا عدول الخلق من عذالها

فتح ستتلوه الفتوح وهمة … حملت بوادرها ضمان مالها

ولجت به باب الحياة وهيأت … للمجدما يرجوه يوم صيالها

بالخلادات الذكر من أسمائها … والخالدات الإثر من أفعالها

هي أمة شغفت برياتها … فاظنن بطيب البث يوم وصالها

بالأمس أبدت للزعيم شعورها … في زينة خلابة بجمالها

لو شبهت أعيادها الخرى بها … ما كانت الأعياد من أمثالها

واليوم أفصح مجلسا نوابها … عن رايها وهما لسانا حالها

فبدت مشئتها وحصحص ما ترى … حقا عليها بعد حل عقالها

أتوافق الأيام في إدبارها … وتخالف الأيام في غقابلها

يا سعد جلت ماثراتك عندها … عن أبلغ الإطراء في اقوالها

بالأمس تعههدها وذلك جهدها … فخذ الثناء اليو ممن أعمالها

أطلل عليها باسما متألقا … من حيث تبدو الزهر في إطلالها

وحيالك الشهداء من آسادها … ويحالك الشهداء من أشبالها

نخب من النخب الأعزة عوجلت … من أجل هذا اليوم في آجالها

وانظر إلى مصر الوفية راضيا … عما تراه من جديد خلالها

أيقظتها وظللت بعد نهوضها … عنوان عزتها ورمز جلالها

فإذا هي استبقتك بين عيونها … فمثالك المشهود عين مثالها

وغذا بنت لك مضجعا في صدرها … فذخيرة تهدى إلى أجيالها

إن غابت الشمس استضاء بشعلة … عند الخلود السر في إشعالها

من نفسها وبنفسها تذكو فما … تفنى وما ينفى خفي ذبالها

هيهات أن تنساك مصر ولم تكن … يا سعدها إلا مصدق فألها

خلفت فيها مصطفاك فكلما … شهدت مواقفه خطرت ببالها

أدى الأمانة في تقاضي حقها … واستنجز الأيام بعد مطالها

هل أنتما إلا زعيما شعبها … وميسيراها في سبيل كمالها

علمان إن قدرت خصالكما فقد … قدرت ولم تخطيء أجل خصالها

يا ذا الرياسات التي اضفت على … وادي الكنانة وارفات ظلالها

عافاك ربك كيف تضطلع القوى … بأقل ما حملت من أحمالها

قلب الفتى يوهيه شغل واحد … أتطيق ما تبلوه في أشغالها

لكن نفسا في جهادك رضتها … بالحادثات خفافها وثقالها

محصتها تمحيص أغلى جوهر … في ضيم كل ملمة ونكالها

وبذاك اشهدت البلاد مداك في … إنجاح ما بسطته من آمالها

اليوم بين يديك أجمع أمرها … والحال حال الفصل في استقبالها

فلتشهد اليام بعثة شمسها … وليغمر الآفاق ظل هلالها