حييت يا ذات المقام السامي – جبران خليل جبران
حييت يا ذات المقام السامي … بتحية الإكبار وافعظام
اليمن والإقبال عادا في زها … يوم له شرف على الأيام
عيد يجدد للبلاد واهلها … بهجاته بتجدد العوام
راع العقول بآيتين تراءنتا … في أفقه المتهلل البسام
الشمس في عليائه مجلوة … ويد النوال تصوب صوب غمام
مصر التي أعززتها وحببتها … عن ظهر نفس منك حب غرام
وأبيت إلا أن يكون مرامها … فيما شغلت به أجل مرام
جعلت لركبك من سواد قطينها … سودا ومن ساداتها العلام
حفلوا لأم المحسنين وأومأوا … يتجلة مصدوقة وسلام
يبدون من وحي النفوس إشارة … لطفت وللوحي اللطيف مرام
فإذا نأيتم لا حرمنا عودكم … من عيب مترقببن كرام
إني لألهم يا مفداة الحمى … قولا وتنبو دونه أقلامي
شتان ما بين الذي يدنينه … ومكانه العالي من الإلهام
من لي بوصف عظائم خلدتها … لم تتسق لمخلدين عظام
أثر الأصادق عنك ما لم يأثروا … عن أمهات المجد في الإسلام
منن شملت بها المشارق فانتفى … فيما وسعن تباين الأقوام
في كل قلب صورة لك أنزلت … من كل قلب منزل الإكرام
ماذا وجدت من الثناء عليك في … أثناء كل ترحل ومقام
دارجت ذكرك والسفين مدائن … حملت على ظهر الخضم الطامي
فكأنما النسمات وهي مقلة … نفحاته تسري بنشر خزام
دارجت ذكرك في الحزون وفي الربى … من صاقب الطراف والمترامي
فرايت من زهر الرياض هشاشة … لحديثه تبدو من الأكمام
وطربت للأطيار شادية به … ونقعت في مجرى الصفاة أوامي
دارجت ذكرك في الحواضر والقرى … بين المروج الخضر والآكام
فبدا لي المعمور معمورا به … في كل مجتمع وكل مقام
أي المحامد لم تكن لك نفحة … فيه تهز رصينة الأحلام
من بر برك بالأيامى وانتخى … منحاكم حدب على الأيتام
ولمن سواك إذا تضرمت القرى … اشفى ندى في إثر كل ضرام
ومن التي في دفع كل ملمة … هي كعبة الآمال للمعتام
وعناية محجوبة ليست ترى … إلا بما تسدي من الإنعام
هذي تحية شاعر يقضي بها … حق العلى في العام بعد العام
يجلو بديع نظامها ما تنجلي … عنه صفاتك في بديع نظام
برئت كذاتك وهي مرآة لها … من كل غاشية تريب وذام
تتحول الدنيا تحول أهلها … والعهد عدي والذمام ذمامي
ولقد ألام على الوفاء فما أرى … لي مادحين كزمرة اللوام
هل للفتى عمران يفني فيهما … قلبين بين النقض والابرام
إن الوفاء سجية لم يؤتها … إلا رجال الرأي والإقدام
عيشي وابلي الدهر واغتفري له … بالصالحات كبائر الآثام
تلك المآثر للدوام بنيتها … وساك من يبني لغير دوام