حضرنا إلى نهرنا نستقي – زكي مبارك

حضرنا إلى نهرنا نستقيه … ففي مائه عسل ذائب

وننشده كل ما يشتهيه … فشعر بصهبائه لاعب

جزائر مخضرة عاليات … بأذكى الأزاهير في عطرها

ومن حولها أعين ناعسات … تعلم هاروت من سحرها

وهذي حمائم صيادة … إذا نظرت سمكا تخطف

بسحر الأغاريد فتانة … ففي حلقها وتر يعزف

وهذه فلائك مبثوثة … على النهر تسأل من يركب

بأحنائها الحور موقوفة … على من له درهم طيب

أراني من الفقر في محنة … متى أغتنى آه لا أعرف

وحب المحب بلا ثروة … خيال من العقل لا يوصف

من السابحون على لنشهم … وأجسادهم فضة تلمع

تكاد المقاذيف من بطشهم … بسحر الصبا جهرة تخضع

ظباء من الإنس لا يغرقون … فما لي بوجدى بهم أغرق

وإن نطقوا لحظة يبغمون … فيا ظبى قل لي متى تنطق

ودين ثقيل يهون يهون … سأقضيه مما جنته العيون

وأصفح عن محنتي بالفتون … ورمى فؤادي بسهم الجنون

وإنسانة من بنات الشطوط … بألحاظها خمرة قرقف

على الرمل سطرت تلك الخطوط … فما لي إلا وصلها مسعف

تخاطب باللمح من لا يفيق … ففي كل حسن له مسكر

بطعم المحاسن في ثغره … وفي قلبه يعرف السكر

ولا يعرف الرفق بالغانيات … فذلك في رأيه منكر

ويسقى الخرائد من كأسه … فتنقاد طوعا لما يأمر

أقمنا على الحب أيامنا … لنهصر في الحسن ما نهصر

على العاذلين نؤدى السلام … ففيهم لأحقادهم مقبر

ذوى عصرهم وزها عصرنا … لنا في حياة الهوى أعصر

شدا قبلنا شعراء الجمال … وإني وإن أبدعوا أشعر