جهد الحزين إذا صرف القضا نزلا – إبراهيم اليازجي
جهد الحزين إذا صرف القضا نزلا … أن يجزي من حشاه بالذي فعلا
ويبتلي مقلتيه بالبكا وكفى … بمن بكى قبلنا ناه لو امتثلا
سلا المحبون بعد اليأس فاتخذوا … تلك الشجون إلى سلوانهم سبلا
قد أوجب الققد حزناً للفتى فبكى … وأوجب الحزن صبراً بعده فسلا
استغفر الله ما دمعي بمتسك … ولا فؤادي عن الأشجان مشتغلا
ولا يطاوعني صبري فأصحبه … على الذي بي ولو طاوعته عذلا
طويل ليل به أمسى يؤرقني … يوم تسربل من أذياله حللا
يوم نعي لي من أهوى ببكرته … فخلت شمس الضحى في مقلتي زحلا
في ذمة الله من عندي له ذمم … في الحب ليس يفيها مدمع هطلا
لقد ترحل عن عيني وأودعها … شخصاً يلوح خيالاً ليس مرتحلا
فظل يوسعها شجواً وتوسعه … غسلاً بعارض دمع فوقه انهملا
يا صافي الود ما أوفاك تاركه … وأن بغي تركه قلبي فما عدلا
قد جرعتك المنايا من مناهلها … كأساً بها ملت بل ميلتني ثملا
ما كنت أحسب أن البين عن أمم … يبت من شملنا ما كان متصلا
وأنني لك راث بالقريض وما … يقضى القريض لعمري حقك الجللا
وأن ساعة أنس قبل فرقتنا … تكون آخر عهد بيننا حصلا
ويكحل الجفن مني بعدها بدم … منه حيث جفنك ويحي بالبلى اكتحلا
هجرت لذة أيامي فلا وصلت … وواصل الغم أحشائي فلا رحلا
وانحل الحزن اضلاعاً بك اضطرمت … وجداً فلا لقيت من سلوة بللا
يا رحمة الله حلي فوق رابية … بسفح لبنان وارت طيها جبلا
ويا ثقال الغوادي جاوري حرما … مكرماً فيه ذاك البدر قد أفلا
لله ما ضم من حلم ومن كرم … مثوى على جسمه الباهي قد اشتملا
ومن مناهل علم راق موردها … ومن فضائل سارت في الورى مثلا
ومن ذخائر أسرار لو انتصفت … لزارها كل قاصي الدار محتفلا
بكت على فقده الأقلام نادبة … كفا له طالما أزرت بها الأسلا
وودت الصحف إذ ولي لو اتخذت … لون المداد لها من لونها بدلا
وأصبح الطب معتلاً لمصرعه … وكان ممن به حيث اشتكى نصلا
يا نازلاً في زوايا الرمس معتزلاً … ما كان يعهدك العافون معتزلا
وتاركاً داره كالقفر خالية … ولم تكن تسع الضيفان والنزلا
ومودعاً كل جسم بعده سقماً … وكنت أجدر من نشفي به العللا
أعيا الردى فيك ما نبغيه من حيل … وطالما كنت تعيي عنده الحيلا
فمن تركت سقاك العفو صيبه … لمن تركت عليلاً فيك منتحلا
ومن تركت لفعل المكرمات ترى … إذا الأكف شكت من دونه شللا
ومن تركت لنا بعد ابن بجدتها … يحل مستغلق المعنى إذا اشتكلا
أنا المحب ولكني بوصفك قد … قصرت وأعذر فقلبي بالأسى ذهلا
ذكرت شيئاً ولو أني وفيت به … أطلت والله أدري بالذي فضلا
يا يوسف الحسن قد أنشبت في كبدي … من قلب يعقوب جرحاً ليس مندملا
أطلقت من أسر هذا العيش منصرفاً … وبات قلبي بالأحزان معتقلا
روحي فداؤك يا من قد زرئت به … فما تواصل روحي بعده جزلا
جاوزت ما بي إلى عرش نعمت به … وعاهدت أدمعي الأسحار والأصلا
وما أفيك بها يوماً وقد قطرت … حمراً لأن بها دون الوفا خجلا
ويلاه من وصلنا في الأرض معتقباً … بالبين حزناً طويلاً ليس منفصلا
قد سودت غير الأحداث أوجهها … وطالما شيبت من دونها القذلا
وما العتاب على غدر الزمان وفي … يد النوازل سيف يسبق العذلا
هذا الذي كل شمل بات يحذره … فلا يزال لديه خائفا وجلا
وليس يعرف خلفاً في مواعده … دون النجاز ولكن ربما مطلا
قد كنت أحسب أن الأرض عامرة … فاستوحشت إذ رأتها مقلتي طللا
وكنت أحسب أنا أهلها فإذا … كل يزم المطايا قبلما نزلا
بئس الديار ديار لإثبات بها … ولا سرور به عيش النزيل حلا
وإنما حظنا منها أحبتنا … فإن تولوا قطعنا عندها الأملا