تَفديك لو قبِلَ المنونُ فِداها – ابن معصوم المدني

تَفديك لو قبِلَ المنونُ فِداها … نفسٌ عليكَ تقطَّعت بِأساها

يا كوكباً قد خر من أفق العلى … في ليلة ٍ كسَت الصباحَ دُجاها

كانت حياتُك للنَّواظر قرَّة ً … واليوم موتك للعيون قذاها

يا ليتني غُيِّبتُ قبلكَ في الثرى … وسُقيتُ كاسَ الموت قبل تَراها

أوْ ليتَ عيني قبلَ تبصرُ يومَك الـ … محتوم كحلها الردى بعماها

لم لا تمنى الموت دونك مهجة ٌ … قد كنت تجهد طالباً لرضاها

أم كيف لا تهوى العمى لك مقلة ٌ … قد كنتَ قرَّتها وكنت سَناها

آهٍ ليومَكَ ما أمضَّ مُصابَه … وأحرَّ نارَ مصيبة ٍ أوراها

لا والذي أبكى واضحك والذي … أفنى نفوساً بعدما أحياها

لم يبقَ لي في العيش بعدَك رغبة ٌ … ما لي وللدنيا وطول عناها

هيهات ترغبُ في الحياة حشاشة ٌ … قد كنت أنت حياتها ومناها

كانت تؤمل أن تكون لك الفدا … فأبيت إلا أن تكون فداها

وبررتها حتى كأنك رأفة ً … وتعطُّفاً كنتَ ابنهَا وأباها

أفٍّ لها إذ لم تشاطِرْكَ الرَّدى … ما كان أغلظَها وما أقساها

قسماً بربِّ العاكفين بمكة ٍ … والطائفين بِحجرها وصَفاها

لولا يقيني أنني بك لاحقٌ … لقهرتُها حتى تذوقَ رداها

تالله خابَ السعيُ وانفصمت عُرى الـ … آمال ممَّا نابَها وعَراها

لا متعت بالعيش بعدك أنفسٌ … كانت حياتُك روضَها وجَناها

بل لا هنا للقلب غيرُ غليله … أبداً ولا للعين غير بكاها

يا دوحة ً للمجد مثمرة العلى … ذهبت نَضارتُها وجفَّ نَداها

قد كنت ساعدي الذي أسطو به … ويدي التي يَخشى الزمانُ سُطاها

تَنفي الأسى عنِّي وتحمي جانبي … من كلِّ كارثة ٍ يعمُّ أذاها

واليوم قد هجمت علي حوادثٌ … ما كنتُ أحذرُها ولا أخشاها

طوبى لأيَّام الوصال وطيبها … ما كان أحلاها وما أهْناها

أيَّام لي من حسنِ وجهك بَهجة ٌ … بجمالها بين الوَرى أتَباهى

فإذا جلست بجانبي فكأنني … قارنتُ من شمس النهار ضُحاها

وإذا رأيتُك بين آل المصطفى … عوَّذتُ منظَرك الجميل بطاها

كانت بقربك في الزمان مواردي … تصفو ويعذُبُ ورْدُها ورواها

فمنيت من حر الفراق بغلة ٍ … حكم الردى أن لا يبل صداها

وبُليتُ من أرزائه برزيَّة ٍ … عظُمت مصيبتُها وطالَ جَواها

إني ليملكني التأسف والأسى … فيعزُّ من نفسي عليكَ عزاها

فإذا ذكرت فناء دنيانا التي … لا لفظها يَبقى ولا معناها

خفَّ الأسى عنِّي وهان عليَّ ما … ألقاه من أهوالها وبَلاها

كيف البَقاءُ بهذه الدار التي … من قد بناها للفناء بناها

دارٌ قضت أن لا يدومَ نعيمُها … لا كان مسكنها ولا سكناها

لا يسرها باقٍ ولا إعسارها … سِيَّان حالا فقرها وغناها

مقرونة ٌ خيراتها بشرورها … ونعيمُها بعنائِها وشَقاها

إن أضحكت أبكتْ وإن برَّت بَرَتْ … وإذا شفَتْ شفَّت عليلَ ضَناها

أين الملوك المالكين لأمرها … والعامرو أمصارها وقراها

أين القياصر والأكاسرة الألى … شادُوا مباني عزِّها وعُلاها

أين الخواقينُ الذين تمسَّكوا … بعهودها واستمسكوا بعراها

غرَّتهم بشَرابها وسَرابها … حتى انتشوا من كأسها وطلاها

بطشت بهم بطش الكمين بغرة ٍ … الله أكبرُ ما أقلَّ وفاها

قد ضل رشد من أطباه جمالها … فَصبا إليها وازدَهاهُ زُهاها

يهوى الأنام بها البقاء وإنما … شاء الإله بقاءهم بسواها

ما هذه الأيام غير مراحلٍ … تطوى وأنفاس النفوس خطاها

حتى إذا بلغت نهاية سيرها … ألقت عَصاها واستقرَّ نَواها

يا قُرَّة ً للعين أسخَنها الرَّدى … وعزيمة ً للقلب فَلَّ شَباها

تبكي عليك النفس من فرط الأسى … وتنوح وجداً من عظيم شجاها

وتقول حقاً حين ينكشف العمى … عنها وتبصرُ رشدَها وهُداها

وُفِّقْتَ حين رفضتَ ألأمَ منزلٍ … ورقَيتَ من عُليا الجنان ذُراها

جاريتَني فبلغتَ قبلي غاية ً … للحق لم يبلغ أبوك مداها

ما زلتَ تسهر كلَّ ليلة ِ جمعة ٍ … لله إذ يغشى لعيون كراها

حتى دعاك الله فيها راضياً … لتنال منه مثوبة ً ترضاها

لله هَّمتُك التي فاقت على … همم الأعاظم شيخها وفتاها

سعت الرجالُ لنيل دُنياها التي … قد دُنِّست فعزفت عن دنياها

وسعيت للأخرى المقدسة التي … لم يرعَ غيرُ الطاهرين حِماها

فحويتَها والعمرُ مُقَتَبل الصِّبا … واهاً لهمتك العلية واها

إن كنت أحللت الجنان منعماً … فأبوك حل من الهموم لظاها

حزنت لموتك طيبة ٌ وبقيعها … وبكت لفوتك مكة ٌ ومناها

وغدا الغريُّ عليك يُغري بالأسى … طُوساً وبغداداً وسامَرَّاها

أقررتَ أعينَ من بها بنزاهة ٍ … حِلَّتكَ في سنِّ الصِّبا بحُلاها

صلَّى عليكَ الله من مُستودَعٍ … في رَوضة ٍ ضمَّ الكمالَ ثراها

وتواتَرتْ رحماتُ ربِّك بُكرة ً … وعشية ً يسقي ثراك حياها

ما حن مشتاقٌ إلى أحبابه … وتذكرت نفسٌ أهيل هواها