تولتك العناية في الذهاب – جبران خليل جبران
تولتك العناية في الذهاب … وحاطتك الرعاية في الإياب
تحجبك الجلالة في سفور … وتجلوك النبالة في الحجاب
وما أزهى النقاب حلى إذا ما … تنخلت الأشعة في النقاب
لأنت الشمس إحسانا وحسنا … ترينا آية العجب العجاب
فمن لألائها الأنوار تهدى … ومن آلائها در السحاب
بديع أن تكونيها وتكسى … بما نسجت وزانت من ثياب
قدمت وكل ذي شأن كبير … من الإكبار يمشي في الركاب
وحولك أمة قرت عيونا … بوجهك يجتلى بعد ارتقاب
تقبل بالضمير يدا أفاضت … عليها من مواردها العذاب
وأولتها عوارف سابغات … عدون مدى رغائبها الرغاب
أصبت من المناقب كل حظ … ولم تنأي عن الرأي الصواب
فما أوتيت من نعماء إلا … تقاسمها عفاتك كالنهاب
كذاك مكارم الأخلاق تعلو … إمارتها وجد الحرص كابي
إذا انتهت الزكاة إلى نصاب … فقد جاوزت أضعاف النصاب
بحي لو الذنوب على الليالي … حسبن ربا نوالك في الحساب
مناقب كم أحلت مستضاما … به الأيام ضاقت في رحاب
وآوت لاجئا وشفت عليلا … وأنجت مستغيثا من عذاب
وشادت للندى من كل ضرب … معاهد تنتحى من كل باب
وربت للحمي نشئا كراما … ببر ما نموا في العد رابي
إذا بعد المؤمل أدركوه … قريب الشأو ميسور الطلاب
مفاخر في كتاب الدهر خطت … بكف لم تفاخر بالخضاب
سيتلوها فيطرب ذاكروها … كما يتلون آيات الكتاب
رعاك الله يا فخر الغواني … بطارفها وتالدها اللباب
على نفسي قطعت لكم عهودا … منوطات بأخلاق صلاب
سأحفظ حقها المرعي حفظا … يطول مداه ما طال المدى بي
ينال الشيب من عزمي وتبقى … كأني أستعيد بها شبابي
أجيب دعاءها حولا فحولا … وأذن الدهر سامعة جوابي
قواف يسلس الإخلاص منها … ويلفيها النفاق من الصعاب
تراعي الصدق فيما تدعيه … وتأنف خطة المدح الكذاب
وعند الله أني لا أرجي … لدى غيري عليها من ثواب
وما أنا في المقالة بالمداجي … ولا أنا في الشهادة بالمحابي
لتهنئك السلامة كل حين … ودمت الدهر عالية الجناب
إلى ذاك المقام الحمد يهدى … وعن ذاك المقام الذم نابي