توقف فإن العلم ذاك الذي يجري – محيي الدين بن عربي
توقف فإن العلم ذاك الذي يجري … وتعلمْ بأنَّ الحكمَ منا ولا تدري
وما قلت إلا ما تحققه به … كذا قرّر الله المهيمن في صَدري
أنا في عباد الله روح مقدّس … كمثل الليالي روحها ليلة القدر
تقدّست عن وتر بشفع لأنني … غريبٌ بما عندي عن الشفعِ والوتر
ولما أتاني الحقُّ ليلاً مبشّراً … بأني ختام الأمر في غرَّة الشهر
وقال لمنْ قدْ كانَ في الوقتِ حاضراً … منَ الملإِ الأعلى ومنْ عالمِ الأمرِ
ألا فانظروا فيه فإنّ علامتي … على ختمهِ في موضعِ الضربِ في الظهرِ
وأخفيتهُ عن أعينِ الخلقِ رحمة ً … بهم للذي يعطى الجحود من الكفر
عرضتُ عليهِ الملكَ عرضاً محققاً … فقالَ ليَ الأمرُ المعظمُ في السترِ
لأنكَ غيبٌ والسعيدُ من اقتدى … بسيدِهِ في حالة ِ العسرِ واليسرِ
فنحمدُ في السراءِ حمداً مخصصاً … ونحمد حمداً سارياً حالة الضرّ
ظهوركَ في الأخرى فثمَّ ظهورنا لذا … جئتني في العربِ إذْ جئتَب بالشكرِ
فإنَّ وجود الشكرِ يبغي زيادة … من الله في النعماء فانهض على اثري
لو أنك يا مسكين تعرف سرَّه … لكنت بما تدري به أوحد العصر
غريباً وحيداً حائراً ومحيراً … وكنتَ على علمٍ تصانُ عنِ الذكرِ
خفيٌّ على الألبابِ منْ أجلِ فكرها … وإن كان أعلى في الوضوحِ من البدر
أنا وارثٌ لا شكَّ علمَ محمدٍ … وما الفخر إلا في الجسومِ وكونها
ولستُ بمعصومٍ ولكنَّ شهودَنا … هو العصمة الغرَّاء في الأنجمِ الزهر
ولستُ بمخلوقٍ لعصمة ِ خالقي … منَ الناسِ فيما شاءَ منهُ على غمرِ
علمت الذي قلنا ببلدة تونس … بأمر إلهي أتاني في الذكر
أتاني بهِ في عامِ تسعينَ شربنا … بمنزلِ تقديسٍ منَ الوهمِ والفكرِ
ولمْ أدرِ أني خاتمٌ ومعينٌ … إلى أربعٍ منها بفاسٍ وفي بدرِ
أقامَ لي الحقُّ المبينُ يمينهُ … بركبتهِ والساقُ منْ حضرة ِ الأمرِ
وبايعته عند اليمين بمكة … وكانَ معي قومٌ وليسوا على ذكري
وأَقسمَ بالحجرِ المعظمِ قدرهُ … وفي ذلكَ الإيلاء يمينٌ لذي حجرِ
مولدة الأرواح ناهيك من فخر … لقد جاء بالميراثِ في طيء نشري
وأينَ بلالٌ منْ أبي طالبٍ لقدْ … تشرفَ بالتقوى المحقرُ في القدرِ
سألتكَ ربي أنْ تجودَ لعبدكمْ … بأنْ يكُ مستوراً إلى آخرِ الدهرِ
كمثل ابن جعدون وقد كان سيِّداً … إماماً فلم يبرح من الله في ستر
سألتكَ ربي عصمة َ السترِ إنهُ … على سنة الحناوي سنتنا تجري
لقدْ عاينتْ عيني رجالاً تبرزوا … خضامة ً علياً وما عندهمُ سري
وأقسمتُ بالشمسِ المنيرة ِ والضحى … وزمزم والأركانِ والبيتِ والحجر
لئن كان عبدُ الله يملك أمره … فما مثلهُ عبدُ السميع أو البرِّ
فإنَّ لكلِّ اسم تعيَّن ذكرُه … سوى الذات مدلولاً له حكمة الظهر
فمنْ يشتهي الياقوتَ منْ كسبِ كدِّهِ … يقاسي الذي يلقاه من غمة البحر
وإن ذكروا روحي حننت إلى مصر … أتاني بهِ الفاروقُ عندَ أبي بكرِ
فلم أستطع عني دفاعاً ولم أكن … بما جاءني فيهِ مبشرهُ أدري
بحجرته الغرّا بمسجد يثرب … بحضرة ِ عبد الله ذي النائلِ الغمرِ
وما زلت من وقتِ الغروبِ بمشهد … فملت إليه في رجالٍ ذوي نهى
ومصباحُ مشكاة ِ المشيئة ِ في يدي … أنوّر بيت الله عن وارد الأمر
لأسرحَ منهُ والصلاة ُ تلزني … على ما أراه ما يزيد على العشر
لباسي الذي قد كان في اللون أخضرا … وإني منْ ذاكَ اللباسِ لفي أمرِ
غنيتُ بتصديقي رسالة َ أحمدٍ … عنِ الكشفِ والذوقِ والمحققِ والخبرِ
وهذا عزيز في الوجودِ مناله … ولوْ لمْ يكنْ هذا لأصبحتُ في خسرِ
ولي في كتاب الله من كل سورة … نصيبٌ وجلُّ الخيرِ منْ سورة ِ العصرِ
تواصوا بحقِّ اللهِ في كلِّ حالة ٍ … كما أنهم أيضاً تواصوا على الصبر
أحبُّ بقائي ها هنا لزيادة ٍ … وأفزع إيماناً إلى سورة النصر
إذا لم أكن موسى وعيسى ومثلهم … فلست أبالي أنني جامع الأمر
فإني ختم الأولياء محمد … ختامُ اختصاص في البداوة ِ والحضر
شهودَ اختصاصٍ أعقلُ الآن كونهُ … ولم أك في حال الشهادة في ذعر
لقدْ كنتُ مبسوطاً طليقاً مسرحاً … ولم أك كالمحبوس في قبضة الأسر
ظهرتُ إلى ذاتي بذاتي فلمْ أجدْ … سواي فقال الكل أنت ولا تدري
فإن أشركت نفسي فلم يك غيرها … وإنْ وحدتْ كانت على مركبٍ وعر
إذا قلتُ بالتوحيد فاعلم طريقه … فما ثمَّ توحيدٌ سوى واحدِ الكثرِ
ولا بد أن تمتازَ فالوتر حاصلٌ … ولكن في الايجاد لا بد من نزر
لقد حارتِ الحيراتُ في كلِّ حائرٍ … وحاصلُ هذا الأمرِ في القولِ بالنكرِ
فإنْ شهدتْ ألفاظنا بوجودِنا … تقولُ المعاني إنني منكَ في خسرِ
إذا ذكروا جسمي حننتُ لشامِنا … وإنْ ذكروا روحي حننتُ من فخرِ
ألا إن طيب الفرع من طيب أصله … وكيفَ يطيبُ الفرعُ من خبثِ النجرِ
يعزُّ علينا أنْ تردَّ سيوفنا … مفللة ً من ضربِ هام ومن كسر
صريراً من أقلامٍ سمعتُ أصمني … وما علمتْ نفسي بصمٍّ منَ الصرِّ
حياة فؤادي من علومِ طبيعتي … كإحياء ماء قد تفجر من صخر
بلاداً مواتاً لا نبات بأرضها … فأضحتْ لمحياها تبسمُ بالزهرِ
تتيهُ بهَ عجباً وزهواً ونحوهُ … حدائقَ أزهارٍ معطرة ِ النشرِ
نراها مع الأرواح تثنى غصونها … حنواً على العشاقِ دائمة َ البشرِ
فيا حسنه علماً يقوم بذاتنا … جمعنا بهِ بينَ الذراعِ معَ الشبرِ
وما بينَ سعيِ الساعِ والباعِ والذي … يهرول بالتقسيم فيه وبالشبر
فيحظى بمجلاه وبالصورة التي … لها سورة ٌ فوقَ الطبيعة ِ والفقرِ
سريتُ إليهِ صحبة َ الروحِ قاصداً … إلى بيتهِ المعمورِ في رفرفِ الدرِّ
فكن في عداد القوم واصحب خيارهم … ولا تكُ في قومٍ أسافلة ٍ غمرِ
ولا تتخذ نجماً دليلاً عليهمُ … فسكناهمُ المعروفُ بالبلدِ القفرِ
وعاشر إذا عاشرت قوماً تبرقعوا … أشدّاء مأمونين من عالم القهر
علومُ عبادِ اللهِ في كلِّ موقفٍ … وغير عباد الله في موقف النشر
ترى عابدَ الرحمنِ في كلِّ حالة ٍ … تميل به الأرواح كالغصن النضر
بقاء وجودي في الوجود منعماً … بما أنعمَ اللهُ عليَّ منَ السحرِ
يسوق لي الأرواح من كل جانب … فما معجراتٌ بالخيالِ ولا السحرِ
كما جاد لي بالحل من كل حرمة … صبيحة َ يومِ الرميِ منْ ليلة ِ النحرِ
ويممَ لي المطلوب من كل منسكٍ … تجلى لنا فيه إلى حالة النفر
سباني وأبلاني بكلِّ مقرطقٍ … وما نظمَ الرحمنُ منْ لولؤ الثعرِ
لقدْ أنشأَ اللهُ العلومَ لناظري … على صورٍ شتى منَ البيضِ والسمرِ
ترفلنَ في أثوابِ حسنٍ مهيمٍ … منوّعة الألوان من حمر أو صفر
وبيضٍ كريماتٍ عقائلَ خردٍ … يجرّرن أذايلَ البها أيما جرّ
لقد جمع الله الجمالَ لأحمد … وغير رسول الله منه على الشطر
فمنْ كانَ يدري ما أقولُ ويرتقي … إلى عرشِهِ العلويِّ من شاطئ النهرِ
فذاك الذي حاز الكمال وجوده … وزاد على الأملاك علماً بما يجري
إذا جاء خير الله يصبح نادماً … بما فرطِ المسكينُ في زمنِ البذرِ
علومٌ أتتْ نصاً جلياً تقدَّستْ … عن الظنِّ والتخمين والحدس والحزرِ
تجيءُ وما ينفكُّ عنها مجيئها … ولكنها تأتيكَ بالمدِّ والجزرِ
ألا كلُّ خُلقٍ كان مني تخلقاً … بخلقٍ إلهيٍّ كريمٍ سوى النذر
فيا شؤمهُ خلقاً فإنَّ أداءَهُ … كمثلِ أداء الفرض في القسر والجبر
لقد طلعتْ يوماً عليَّ غمامة ٌ … تكون لما فيها من الصون كالخدر
فقلتُ تجلى في غمامِ علمتهُ … أتاني بهِ الرحمنُ في محكمِ الذكرِ
علومٌ يقومُ الحبرُ منا بفضلها … فما هي من زيد يمرّ على عمر
تعالتْ فلا شخصٌ يفوزُ بنيلها … ولا سيما إنْ كان في ظلمة الحشر
بها ميزَ الرحمنُ بينَ عبادِهِ … غداة َ غدٍ في موقفِ البعثِ والنشرِ
كما ميزَ الرحمنُ بينَ عبادِهِ … إذا دفنوا في الأرضِ من ضغطة ِ القبرِ
فضمٌ لتعذيبٍ وضمُ تعشق … فلا بد منه فاعلموا ذاك من شعري
قد اشتركا في الضم من كان ذا وفا … لما كان في عهدٍ ومن كان ذا غدر
يجيءُ بأعذارٍ ليقبلَ عذرهُ … وليسَ لهُ يومَ القيامة ِ منْ عذرِ
ويقبلُ منهُ صدقهُ في حديثهِ … ولو جاء يومُ العرضِ بالعمل النزر
لقد عمّ بالطبع العزيز قلوبنا … فلا يدخلن القلبَ شيءٌ من النكر
جهلت علوماً في حداثة سننا … وما نلتَ هذا العلمِ إلا على كبر
وما خفتُ منْ شيءٍ أتاني بغتة ً … كخوفي إذا خفنا منَ النظرِ الشزرِ
جرينا به في حلبة الكشفِ والحجى … على الصافناتِ الغر والسبق الضمر
فلما أتينا الصورَ قالَ لنا فتى ً … ألا إنَّهُ الناقورُ فافزعْ إلى النقرِ
فلمتُ إليهِ في رجالٍ ذوي نهى ً … بمحوٍ وإثباتٍ من الصحوِ والسكرِ
أهدى كما قال الجُنيد بحامل … فقلت له: أين القعود من البكر
فأنزلني منه بأكرم منزل … علوت به فوق السماكين والنّسرِ
وفرقَ حالي بينَ هذا وهذهِ … وأينَ زمانَ الرطبِ منْ زمنِ البسرِ
إذا كانَ لي كنتُ الغنيَّ بكونِهِ … وأصبحت ذا جاه وأمسيتُ ذا وفر
دعاني إلهي للحديثِ مسامراً … ولي أذن صماءُ من كثرة الوقر
وحملني ما لا أطيقُ احتمالهُ … وأطّت ضلوعي من ملابسة الوقر
وخفتُ على نفسي كما خافَ صالحٌ … على قومه خوفَ المقيمين في الحجر
إذا قلت يا الله لبى لدعوتي … ولمْ يقصيني عنهُ الذي كانَ منْ وزري