تصبر وأن لم تملك الصبر فاجزع – إبراهيم اليازجي

تصبر وأن لم تملك الصبر فاجزع … فما أغفل الأقدار عن صوب مدمع

يهم الليالي ما تثير وقلماتهم … الليالي لوعة المتفجع

تضيع لديها كل نفس فهل ترى … يبيت لديها الدمع غير مضيع

شجاني أن الدهر ليس براحم … وأني ذو قلب شديد التوجع

وأن الذي أشكوه لا لب عنده … يقلب أهل اللب في كل مصرع

فواحرباً من حكمه وهو جائر … وصبري وما صبري لدي بطيع

ولي كل يوم ما يروع فكيف لا … يذوب فؤادي لهفة بين أضلعي

نعى البدر ناعيه عشية فجعة … فيا لهف أجفان ويا لهف مسمع

ويا ذوب أكباد تسيل كآبة … على جمر حزن حيثما مس يلذع

تداركه قبل التمام محاقه … مبادرة من حيث لم يتوقع

فقطع أحشاء وواصل أدمعاً … وضيع من آمالنا كل مطمع

وساء أبا ما ساء قلباً فأصبحت … له اليوم في الأكباد لوعة موجع

وفارق اوج العز والمجد والعلى … إلى أوج مجد منه أعلى وأرفع

أيا كنف الرحمان أودعت درة … مكرمة من عند أكرم مودع

ويا قبر فيك اليوم أنضر زهرة … غنيت بها عن زهرك المتضوع

ويا أيها الغصن الذي هصر الردى … معاطف قد منه ريان ممرع

تركت مغانينا وقد بت مثلما … دعيت فريدا ضمن صحراء بلقع

فما برحت في كل قلب كى بة … من الحزن تغشى كل وجه ببرقع

وطالت مناحات النوادب في الحمى … عليك فاشجى نوحها كل مربع

رويدك أن العين لم توف حظها … بمراي جمال منك باللظف مبدع

ولا رويت منك الصدور فإنها … مشوقة أنس ظل أعذب منقع

لئن صدقت فيك العيون بدمعها … فإن قلوب القوم بالجرح تدعي

وأن تك قد أمسيت في القفر موحشاً … فوحشتنا في الحي لم تتقشع

هو البين يغشى كل خلق فأنفس … تفانت ودمع سأل في كل مضجع

وما الناس إلا نازل غير قادم … ومرتحل ولي على غير مرجع

بماذا نعزي عنه مهجة والد … رأوف فؤاد بالشجون مروع

لقد هاجمته الحادثات مغيرة … بأذلق حداً من ظباه وأقطع

على أننا منه عرفنا لدى البلا … تقلد صبر ليس بالمتزعزع

وقد خبر الدنيا فلم تأت عنده … غريباً ولم تبدو بوجه مقنع

وعرفه الماضي حقيقة قادم … كقافية في صدر بيت مصرع

تعود أخذ الرفق في كل حالة … فما وقعت إلا على قلب أروع

وقابل هذا الدهر بالحلم فانثنى … عليه بطبع بالسفاهة مولع

أمولاي رفقاً أن رزءك في الملا … تقاسمه الأكباد في كل موضع

تعز بأنجال كرام أعزة … لهم في سما علياك أشرف مطلع

تناول كل منهم المجد تالدا … وحاز كمال الفخر قبل الترعرع

فلا ساءت الدنيا بهم لك مهجة … ولا كدرت أحداثها طيب منجع

ودم بعد من فارقت بالله سالماً … عزيزاً ومن فارقت في خير مرتع