بَكَيْتُكَ لِلْبِيْنِ قَبْلَ الحِمامِ – ابن الخياط

بَكَيْتُكَ لِلْبِيْنِ قَبْلَ الحِمامِ … وأيْنَ مِنَ الثُّكْلِ حَرُّ الغَرامِ

وما كانَ ذاكَ الفِراقُ المُشـ … ـتُّ إلا دُخاناً لِهذا الضِّرامِ

فَعُوِّضْتُ بَعْدَ الحَنِينِ الأنِينَ … وبُدِّلْتُ بعْدَ الجوى بالسَّقامِ

إذا قَتَلَ البُعْدُ أهْلَ الهَوى … فأقْتَلُ لِي مِنْهُ مَوْتُ الكِرامِ

فيا قمراً يمَنِيَّ المغيبِ … وإنّ كانَ مَطْلَعُهُ بِالشَّآمِ

أكادُ لذِكرِكَ ألْقى الحِمامَ … إذا هَتَفَتْ ساجِعاتُ الحَمامِ

فأنْشُدُ مَثْواكَ عِنْدَ الهُبُوبِ … وَأرقُبُ طَيْفَكَ عِنْدَ المَنامِ

وأهْفُو إلى كُلِّ بَرْقٍ يَمانٍ … واصْبُو إلى كُلِّ ركْبٍ تهامِ

وأسألُ عنكَ نسيمَ الرِّياحِ … وَمَنْ لِلنَّسِيمُ بِمَنْ فِي الرِّجامِ

وَإنِّي لَظامٍ إلى نَفْحَة ٍ … بريّاكَ ما وردَ الماءَ ظامِي

وكَمْ عَبْرة ٍ لِي وَما بَيْنَنا … سِوى أنْ تَكِلَّ بَناتُ الموامي

فكيفَ وقدْ أنزَلَتْكَ المنُونُ … بِأسْحَقِ دارٍ وأنْأى مَقامِ

غَرِيباً يُبَكِّي لَهُ الأبْعَدُونَ … صَرِيعاً يُوَسَّدُ صُمَّ السِّلامِ

سليباً يُجَلْبَبُ ثوبَ البِلى … ضعيفاً يُحمَّلُِ ثِقْلَ الرَّغامِ

ويا غائِباً كَمَدِي حاضِرٌ … بهِ ما شَجَتْ فاقِدٌ بالبُغامِ

تَشَكَّتْ رِكابُكَ عَضَّ القُتودِ … لَيالِي سُراكَ وَجَبَّ السَّنامِ

وَما كانَ غارِبُها فِي الرَّحِيلِ … بأوْجَعَ مِنْ كَبِدي في المُقامِ

زِمامٌ مَعَ الوَحْدِ لِي طَيِّعٌ … طِواعَ المُذَلَّلِ جَذْبَ الزِّمامِ

وَدَمْعٌ يُبارِي وَجِيفَ المَطِيِّ … فأخْفافُها وجُفُونِي دَوامِي

رُزِئْتُكَ حيّاً وخَطْبُ الفِرا … قِ أشْبَهُ شيءٍ بخطْب الحِمامِ

وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَكَ لِي مُقْلَة ٌ … تَبِيتُ لِفَقْدِكَ ذاتَ انْسِجامِ

فَداَوَيْتُ شَوْقِي بِذِكْرِ اللِّقاءِ … وعَلَّلْتُ شَمْلِي بِعَوْدِ النِّظامِ

أُؤَمِّلُ قُرْبَكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ … وأرجُو لِقاءَكَ في كلِّ عامِ

ولمْ أدْرِ أنَّ مَرامِي القَضا … ءِ قَدْ حُلْنَ بَيْنِي وبَيْنع المَرامِ

فَسُدَّتْ مَطالِعُ ذاكَ الجَوادِ … وفُلَّتْ مضارِبُ ذاكَ الحُسامِ

وَغُودِرَ مُحْيِي النَّدَى لِلْفَناءِ … وَعُوجِلَ بانِي العُلَى بِکنْهِدامِ

فَواحَسْرَتا مَنْ أذَلَّ العَزِيزَ … ووا أسَفا مَنْ أذَلَّ المُحامِي

عَجِبْتُ لِضَيْمِكَ تِلْكَ الغَداة َ … وما كانَ جارُكَ بالمُستضامِ

وأيُّ فتًى حاولَتْهُ المَنُونُ … فَلَمْ تَرْمِ عِزَّتَهُ بِکهْتِضامِ

وكمْ بُزَّ مِنْ مانعٍ للجوارِ … وضُيِّعَ مِنْ حافِظٍ للذِّمامِ

سقَتْكَ بألْطَفِ أندائِها … وأغْزَرِها سارِياتُ الغَمامِ

وإنْ قلَّ ماءٌ مِنَ القطْرِ جارٍ … فَجادَكَ قَطْرٌ مِنَ الدَّمعِ هامِ

وبكَّتكَ كلُّ عروضيَّة ٍ … تُرِنُّ بها كُلُّ ميمٍ ولامِ

إذا ضُنَّ عَنْكَ بِنَوْرِ الرِّياضِ … حبتكَ غرائبَ نورِ الكلامِ

لعمري لئنْ ساءَنا الدهْرُ فيكَ … لَقدْ سَرَّنا في أخِيكَ الهُمامِ

هوَ المرءُ يشجُعُ في كُلِّ خطْبٍ … مَهُولٍ ويجبُنُ عنْ كُلِّ ذامِ

ذَهَبْتَ وكَلَّفْتُهُ فِتْيَة ً … ذوِي غُررٍ ووجُوهٍ وسامِ

كما أوْدَعَ الأُفْقَ زُهْرَ النُّجُومِ … ووَلّى إلى الغَرْبِ بَدْرُ التَّمامِ

علَى أنَّ أدْمُعَنا بالجُفُو … نِ أغرى مِنَ الوَجْدِ بالمُسْتهَامِ

وَلِمْ لا وَذِكْرُكَ يَرْمِي القُلُوبَ … بِأنْفَدَ مِنْ صائِباتِ السِّهامِ

هُمُومٌ تبلِّدُ فهمَ البليغِ … وتُعْيِي نَوافِثَ سِحْرِ الكَلامِ

صدعنَ القُلوبَ فلولا أبُو … عليٍّ لما ظفِرَتْ بالتئامِ

أغرُّ تُمزَّق عنهُ الخُطوبُ … كما مزَّقَ البدرُ ثوبَ الظلامِ

رَعَتْ مَجْدَ آلِ الزَّرافِيِّ مِنْهُ … مَكارِمُ تَعْضُدُهُ بِکلدَّوامِ

فَإنْ حُطِمَ اللَّدْنُ فَکلْعَضْبِ باقٍ … وَإنْ أقْلَعَ الغَيْثُ فَکلْبَحْرُ طامِ

وفي واحدٍ منْ بني أحمدٍ … لنا خلفٌ مِنْ جميعِ الأنامِ

عَزاءَكَ يَکبْنَ العُلَى إنَّما … تَهُونُ العَظائِمُ عِنْدَ العِظامِ

كذا أخذَ الناسُ في دهْرِهِمْ … بِقِسْمَيْنِ مِنْ عِيشَة ٍ وکخْتِرامِ

فَكُلُّ اجْتِماعٍ بِهِ لِلشَّتاتِ … وكُلُّ رِضاعٍ بهِ لِلْفِطامِ

بَقِيتَ وأبْناؤُكَ الأكرَمُونَ … بقاءَ الهِضابِ بِرُكْنيْ شمامِ

فَمِثْلُكَ لَيْسَ عَلى حادِثٍ … ألمَّ فنكَّبَهُ منْ ملامِ