بين الروح والجسد – بدر شاكر السياب
أوحى اليه الشعر من آياته … سحرا تحل به النفوس وتعقد
باتت تلحق في الأعالي روحه … نشوى وبات خياله يتصعد
واهي الكيان كأن خطبا هذه … ذاوي الشفاه لطول ما يتنهد
وهو المعطل من قوام فارع … يسبي العيون ووجنة تتورد
لم يعط من مال سوى أحلامه … وكفى بها من ثروة لا تنفد
ما زوال صرف الدهر أبقى أمه … تأسو الجراح بكفها أو تضمد
كم بات يلتمس الحنان فما رأى … طيف الحنان وفاته ما ينشد
وأحب من جاراته فتانة … ما زال صائد طرفها يتصيد
عف الغرام بحسبه من حبه … نظر يعف عن الآثام ويبعد
غض الاهاب تظل تبرق عينه … سحرا تلوذ به القلوب وتحتمي
جم الثراء سبى العذارى بالغنى … والحسن حتى ما يجدن لمغرم
قد كان يحسبها مثالا للتقى … والطهر والخلق الرفيع الأكرم
ما زال يروي الشعر عن شيطانه … متحلبا شرا صبيغا بالدم
وأحب غانية فهيأ سمه … سرا وخبا صارما في المبسم
حسناء تسفر عن محيا شاحب … ما زال يغلب كل طرف غالب
رمقت صباها وهي في ريعانه … بنواظر عبرى وقلب ناصب
في الريف بين نخيله المتعانق … وعلى جوانب كل نهر دافق
عسب يجاذبه النسيم ظلاله … وندى يصفق بالأريج العابق
وأزهر غيناء رف نديها … فرحا بأجنحة الفراش العاشق
حيتك أنفاس الربيع الباكر … ورعتك آلهة الهوى من شاعر
مرت ليال كنت فيها غائبا … عني فأظلمت الحياة بناظري
لم يلق شعري منك قلبا راضيا … فلقد سقته مآثمي حتى ارتوى
فلتهتفن بكل نغم ساحر … مما تفيض عليك أيام النوى
أو ما تفيض عليك ساعدات اللقا … بين النخيل وعند ذاك الملتوى
أتحب صاحبتي وحبي طاهر … وهواك حب فاجر لم يشرف
نزهتها عن قول هجر قلته … كادت تغص به لهاة المعزف
هيهات لست بتارك هذا الهوى … لا الصد يورثني السلو ولا النوى
مالي ومالك أن تظل رفيقها … ان نلت بعد سويعة تطويقها
أهوي على تلك الشفاه فأرتوي … حينا وأرشف كيف شئت رحيقها
وأمد كفي أينما شاء الهوى … فأعود أقطف نورها وشقشقها
زورا لعمرك ما نطقت وخدعة … تأبى علي محبتي تصديقها
وأطوع الخصر النحيل بضمة … من ساعد ما خلته ليطيقها
لا تفجعن فؤاد باك موجع … بتصورات زوقت تزويقها
رحماك ما أبقيت لي من ملجأ … ان كنت تطمح أن تكون رفيقها
طال الثواء وحان أن نتفرقا … فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة … جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة … وصبابة متلذذات باللقا
لا تقسون ورحمة يا صاحبي … فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع … لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا … بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التي ملكتها … روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا … ينظرني نظرة وامق متطلع
لو كان في وسع المشوق العاشق … ترك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا … فالي اللقاء ويا له من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة … جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة … وصبابة متلذذات باللقا
لو كان في وسع المشوق العاشق … ترك الهوى لصرفت عنها خافقي