بكاؤكُما يشفي وإن كان لا يجدي – ابن الرومي
بكاؤكُما يشفي وإن كان لا يجدي … فجودا فقد أودى نظيركمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهدتهُ كفَّاي للثَّرَى … فيا عزَّة َ المهدى ويا حسرة المهدي
ألا قاتل اللَّهُ المنايا ورميها … من القومِ حَبّات القلوب على عَمدِ
توخَّى حِمَامُ الموت أوسطَ صبيتي … فلله كيف اختار واسطة َ العقدِ
على حين شمتُ الخيرَ من لَمَحاتِهِ … وآنستُ من أفعاله آية َ الرُّشدِ
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارهُ … بعيداً على قُرب قريباً على بُعدِ
لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها … وأخلفَتِ الآمالُ ماكان من وعدِ
لقد قلَّ بين المهد واللَّحد لبثُهُ … فلم ينسَ عهد المهد إذ ضمَّ في اللَّحدِ
تنغَّصَ قَبلَ الرَّيِّ ماءُ حَياتهِ … وفُجِّعَ منه بالعذوبة والبردِ
ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالهُ … إلى صُفرة الجاديِّ عن حمرة الوردِ
وظلَّ على الأيدي تساقط نَفْسْه … ويذوِي كما يذوي القضيبُ من الرَّنْدِ
فَيالكِ من نفس تساقط أنفساً … تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ … ولو أنَّهُ أقسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدمْتُ قبلهُ … وأن المنايا دُونهُ صَمَدَتْ صَمدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي … وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئة ِ لا العبدِ
وما سرني أن بعتُهُ بثوابه … ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّة ِ الخُلدِ
ولا بعتُهُ طَوعاً ولكن غُصِبته … وليس على ظُلمِ الحوداث من معدِي
وإنّي وإن مُتِّعتُ بابنيَّ بعده … لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ
وأولادنا مثلُ الجَوارح أيُّها … فقدناه كان الفاجع البَيِّنَ الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اختلالهُ … مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جلدِ
هلِ العينُ بعدَ السَّمع تكفي مكانهُ … أم السَّمعُ بعد العينِ يهدي كما تهدي
لَعمري لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ … فيا ليتَ شِعري كيف حالتْ به بعدِي
ثَكلتُ سُرُوري كُلُّه إذْ ثَكلتُهُ … وأصبحتُ في لذَّاتِ عيشي أَخا زُهدِ
أرَيحانة َ العَينينِ والأنفِ والحشا … ألا ليتَ شعري هلْ تغيَّرتَ عن عهدي
سأسقيكَ ماءَ العين ما أسعدتْ به … وإن كانت السُّقيا من الدَّمعِ لا تُجدي
أعينيَّجودا لي فقد جُدتُ للثَّرى … بأنفس ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفدِ
أعينيَّإنْ لا تُسعداني أَلُمْكُما … وإن تُسعداني اليوم تَستوجبا حَمدي
عذرتُكما لو تُشغلانِ عن البكا … بنومٍوما نومُ الشَّجيِّ أخي الجَهدِ
أقرَّة َ عينيقدْ أطلت بُكاءها … وغادرتها أقْذَى من الأعْيُنِ الرُّمدِ
أقرة عينيلو فَدى الحَيُّ ميِّتاً … فديتُك بالحوبَاء أوَّلَ من يفدِي
كأني ما استَمْتَعتُ منك بنظرة … ولا قُبلة ٍ أحلى مذَاقاً من الشَّهدِ
كأني ما استمتعتُ منك بضمّة ٍ … ولا شمَّة ٍ في ملعبٍ لك أو مهدِ
ألامُ لما أُبدي عليك من الأسى … وإني لأخفي منه أضعافَ ما أبدي
محمَّدُما شيءٌ تُوهِّم سلوة ً … لقلبي إلاَّ زاد قلبي من الوجدِ
أرى أخويكَ الباقِيينِ فإنما … يكونان للأحزَانِ أورى من الزَّندِ
إذا لعِبا في ملعب لك لذَّعا … فؤادي بمثل النار عن غير ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلوة ٌ بلْ حَزَازة ٌ … يَهيجانِها دُوني وأَشقى بها وحدي
وأنتَ وإن أُفردْتَ في دار وحْشة ٍ … فإني بدار الأنسِ في وحشة الفردِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوفدَ مَعشَراً … إلى عَسكر الأمواتِ أنِّي من الوفْدِ
ومن كانَ يَستهدي حَبِيباً هَديَّة ً … فطيفُ خيالٍ منك في النوم أستهدي
عليك سلامُ الله مني تحيَّة ً … ومنْ كل غيثٍ صادقِ البرْقِ والرَّعدِ