بحمدون إن تنشق عليل نسيمها – جبران خليل جبران

بحمدون إن تنشق عليل نسيمها … فإن شفاء النفس ما تتنسم

صفا جوها فالشمس فيه سمة … تصب على الابدان والبدر بلسم

وراقت مساقيها وطابت ثمارها … فما العيش غلا صحة وتنعم

أطلت مطلا فيه للبحر جانب … وآخر للوادي فلا شيء أوسم

أراعك سيف في الشواطيء ملتو … مضاربه سمر وساحله دم

فنجد إلى نجد تسامى فهضبة … إلى ضبة والطود للطود سلم

فأشتات ألوان برفق مزاجها … ترف وتزهوا أو تحول وتقتم

يسرك منها ناطق جنب صامت … ويرضيك مفشي السر والمتكتم

مناظر والمرآة تجلى حيالها … تريكأفانين الحلى كيف تنظم

بأي جمال ابدأ الله رسمها … واي جلال ذلك الرسم يختم

إذ الرمل مشبوب العقيق ودونه … زجاج إلى أقصى المحيط محظم

فإن رويت منك الجوانح بهجة … وأطمأها ورد جديد ييمم

جلت لك حمانا روائعها التي … تدق إلى الغابات فنا وتعظم

لك الله من واد بديع نظامه … به أفتن ما شاء البديع المنظم

يخيل للرائي جلالك أنه … بما هو راء من جلالك ملهم

ويحسب من يرنوا إليه ودونه … أرق غشاء أنه متوهم

مدارج من أدنى السفوح الى الذرى … يرود حلاها الناظر المتسنم

جيوب بها من كل غال وفاخر … نفائس تغزوها اللحاظ فتغنم

إلى قمم شم ذواهب في العلى … يؤخرها حسن وحسن يقدم

تفيض على الاغوار در ثديها … فترضع خضراء الرياض وترأم

إذا ما تغنى ماؤها متحدرا … شجانا ولم يفهم لغاه مترجم

جبال ترامت في الفضاء خطوطها … يرققها رسامها ويضخم

أحب طباق في البديع طباقها … يروغ النهى مآدها والمقوم

ولا ظرف غلا عطها ومزينها … ولا لطف غلا غفلها والمنمنم

تدلت قرها على رحاب صدورها … فكم عجب يبدو لمن يتوسم

الا حبذا تلك البيوت وحبذا … نبات جميع حولها ومقسم

بيوت بأسباب السماء تعلقت … لها في المهاوي مستقر ومجثم

حجارتها ضحاكة عن بياضها … وآرها عن حمرة يتبسم

وأشجارها تؤتي الزكي من الجني … وأطيارها حول الجنى تترنم

فيا هذه الجنابت بين مهادها … وبين الثنيات الجمال المتمم

أحييك من قرب وكم متذكر … عهودك من بعد عليك يسلم

إذا وفرت فيك المنافع والمنى … عجبت لمن يشكو ومن يتألم

وإن كان أهلوك الاولى يعرف الندى … عجبت لمن يرجو نداهم ويحرم

هو الرفق بالضعفى وأي مبرة … على الله من هذه المبرة أكرم

أفيضوا عليهم قرة العين تنقعوا … غليلا به أحشاؤهم تتضرم

وما منكم من يستعان بفضله … على الدهر آنا بعد آن فيسأم

هنيئا لكم أن المروءة قد دعت … إلى واجب أبناءها فأجبتم

جميل تبارت فيه كل جميلة … ترق لمن جافى القضاء وترحم

قلائل فينا والشرور كثيرة … تقوض من أخلافنا وتهدم

تشبهن إحسانا وطهرا بمريم … وهيهات ما كل العقائل مريم