باعوا المخلد بالحطام الفاني – جبران خليل جبران
باعوا المخلد بالحطام الفاني … وشريت بالأغلى من الأثمان
تلك الحياة أمانة أديتها … بتمامها لله والوطان
بالصبر والإيمان أخلص بدؤها … وختامها بالصبر والإيمان
أعرت عن لذاتها منذ الصبا … والورض تفري والقطوف دواني
متوخيا من دونها أمنية … لم يوه وحدتها شتيت أماني
تهوى البلاد ولا هوى لك غيرها … أو تفتدى من ذلة وهوان
ظلت تنازعك الصروف بما بها … من منة وظللت ثبت جنان
مستنزفا دمك الزكي ولم يرق … بشباة قرضاب ولا بسنان
في صولة للدهر تعقب صولة … منتابة في الآن بعد الآن
حتى قضيت شهيد رأيك وانقضى … ما كنت تلقى دونه وتعاني
ويح الأبي تسوءه أيامه … وتسر كل مماذق مذعان
ممن يقدم في الرجال وما به … غلا الطلاء بكاذب الألوان
ماذا دهى الفسطاط حين تجاوبت … أصاؤها لنواك بالإرنان
وجلا عن القدر المخبإ ليلها … وبجا لاصباح مقرح الأجفان
خب ارانا في مجالات الفدى … والصدق كيف مصارع الشجعان
غشيت ثبيرا من أسه غمامة … جرت كلاكلها على لبنان
فالشرق شرق من الدمع الذي … أجرى العيون وفاض بالغدران
أي مصطفى يبكيك قومك كلما … عادتهمو ذكرى فتى الفتيان
ويم الوفاء دعا فكنت لواءه … ولطيعة لطليعة الفرسان
هذا شهيد من ولاتك خامس … يهوي بحيث هويت في الميدان
لكأنهم والموت أسوأ مغنم … ي تراكضون غله خيل رهان
بذلوا النفوس كما بذلت وارخصوا … ما عز من جاه ومن قنيان
فإذا ذكرت وأنت عنوان الفدى … فاسم الرفاق تتمة العنوان
رزئت أمينا أمة مفؤودة … لفراقه سكرى من الحزان
خرجت تشيعه وسار برمزه … من فاته التشييع للجثمان
تزجي الصحافي المين المجتبي … عف الجيوب مطهر الأردان
طلق المحيا في الحجاب كأنما … نسج الأشعة ناسج الكفان
يستقبل الله الكريم بجبهة … بيضاء خالية من الدران
أعزز على الإخوان أن مكانه … متفقد في ملتقى الإخوان
ما كان أسمحه واصرح طبعه … وارقه للمستضام العاني
حسنت شمائله وصين غباؤه … عن كل شائنة أتم صيان
وبطيب محتده زكت أخلاقه … فتضوعت كالورد في نيسان
عن الصحافة فيه عز عزاؤها … ما خطبها في صبها المتفاني
في النابه الموفي على أعلامها … والنابغ السباق للأقران
فرد به جاد المان ومثله … قدما يكون مضنة الأزمان
هيهات أنت طوى صحائف زانها … بطرائف الآداب والعرفان
تخذ الحقيقة خلة فهنا على … علات هذا لعيش يصطحبان
ويزيده كلفا بها عذالة … فيها فما يثنيه عنها ثان
تشتد حجته ويجفو حكمه … ولسانه أبدا أعف لسان
لم يخش في الحق الملام ولم يكن … لسوى المير عليه من سلطان
أما يراعته فقل ما شئت في … لفظ تفيض بدره ومعان
لم تجر في عبث ولم تنكر بها … لطف المكان روائع القرآ
لصريرها رجع تسامعه النهى … وله رنين مثالث ومثان
يلقي سرورا في النفوس وروعة … بالساطعين الحق والبرهان
وعلى المكاره ظل أوفى من وفى … لحماه في الإسرار والإعلان
يسمو إلى عليا الأمور بفطنة … تأتي البعيد من الطريق الداني
هل بعثة الدستور إلا وحيه … تنزلا كتنزل الفرقان
وحي إليه ثاب أرباب النهى … فتألفوا والخلف في خذلان
في ذمة الرحمنت خير مجاهد … لم يلتمس إلا رضا الرحمن
كان المحامي عن قضية قومه … بمضاء لا وكل ولا متواني
لم تشغل الأيام عنها قلبه … بالزينتين المال والولدان
فمضى وما لبنيه إرث غير ما … ورثوه من ضعف ومن حرمان
أنبتهم اللهم نبتا صالحا … وتولهم بالفضل والإحسان
وأرع المحصنة التي برت به … بر الشريك المسعف المعوان
يا راحلا في مصر يخلد ذكره … ما دام فيها النيل والهرمان
لجميل وجهك صورة مطبوعة … بالطابع الأبدي في الأذهان
ولصوتك الرنان ما طال المدى … في كل جانحة صدى تحنان
ما الميت كل الميت إلا خامل … يطوى وما لحد سوى لانسيان
المجد للآثار خير حافظا … في كل عصر منه للأعيان
فز بالنعيم جزاء ما قدمته … وتمله في زاهرات جنان
واعتض خلودا من حياة إنما … يعتد فانيها لغير الفاني