باتت تروِّحني بنشرِ عبيرها – حيدر بن سليمان الحلي

باتت تروِّحني بنشرِ عبيرها … بيضاءُ تطوي النّيرينِ بنُورِها

وجلت عليَّ مدامة َ بمفاصلي … منها وجدتُ فُتورَ عين مُديرِها

ورأيتُ شُعلة خذٍّها في كأسها … قد أوجستها مهجني بضميرها

وغدت تفاكهني عشيَّة أقبلت … بفنونِ دلٍّ بتُّ طوعَ غُرورها

فرَنت بناظرتي عقيلة ِ رَبربِ … بَكرت تربعُ إلى بِطافِ غديرها

ودنت إليَّ وأسفرت عن وجنة ٍ … حسداً تموت الشمسُ عند سفورها

وصفت لعيني في بدايعِ حسنِها … خورَ الجنانِ فحلتُها من حورها

ثم انثنت خجلاً تصدُّ بمقلة ٍ … سرقت من الآرام لحظَ غريرها

وتبسَّمت سرّاً فأومضَ بارقٌ … لعذيب مبسمها قضى بسرورها

فأضاءَ ليلة َ وصلِها حتّى غدت … لا فرقَ بين عشيِّها وبُكورها

فتغيّرت خوفَ الرقيبِ، لعلمها … بمكانِها منّي، يشي لغيورها

فتسترت بظفائرٍ لو تحتها … سرت الكواكبُ ما اهتدت لمسيرها

باتت ترفرفُ بين أنفاسِ الصَبا … وتضوعُ بين ورودِها وصُدورِها

حتّى لقد حَمِلت شذاً من عرفِها … أشفقت تعرفه الورى بعبيرها

فوددتُ أقطع كفَّ ما شطة ِ الصبا … كي لا ترجِّل شعرها بمرورها

ولئن ظننتُ على النسيم بها فلا … عجبٌ ولو وافى بوقتِ هجيرها

فبمقلتي لو لم أخف إنسانَها … لحجبتُها عن لحظِ عينِ سميرها

وكذبتُ ما في العين إنسانٌ ولا … في العالمينَ صغيرِها وكبيرها

من أين إنسانٌ لعيني غيرُها … والناس غير أبي الحسينِ أميرها

ألها أميرٌ في البلاغة ِ غيره … وبها تشير إليهِ كفُّ مشيرها

ولئن إليه غدَت تشيرُ فإنّها … ما أدركتهُ بفكرِها لقصورِها

بل عين فكرتِها رأت إنسان عـ … ـين زمانه في نوره لا نورها

فرأت مناقبَ منه «فاروقيّة » … ما أن تزيّنتِ السما بنظيرها

ومآثراً “عُمرّية َ” بقليلها … كثرت عداد الشهبِ لا بكثيرها

وخلائقاً رشفت سُلافَتها الورى … فغدت بها سَكرى ليومِ نشورها

هيهاتَ بنتُ الكرمِ منها إنّها … بنتُ المكارمِ قد ذكت بعبيرها

محلوبة ً من كرمِها مشمولة ً … بنسيمِها ممزوجة ً بنميرها

نَفَحت بعارفة ٍ عليَّ خطيرة ٍ … قَدْ أفحمت منّي لسانَ شكورها

باتت لديَّ ولست أكفرها يداً … ما للغمامِ يدٌ بفيضِ غَزيرها

جَذَبت بضبعي فارتقيت بها على … هامِ المجرّة رافلاً بجيرها

فلو أن أعضائي تحوَّل ألسناً … تثني عليه إلى انقطاعِ دهورها

بقصائدٍ حبَّاتُ قلبي لفظها … وسواد أحداقي مداد سُطورها

ما كنتُ أبلغ شكرَه فيها ولو … أنَّي ملأَت الكونَ في تحريرِها

أم كيف أشكرهُ الصنيعة َ بالثنا … ومتى يقومُ حقيره بخطيرها

مع أنّه مُفضٍ لما لا يَنتهي … ومن الأُمورِ به ارتكاب عسيرها

فالحقُّ فيه أن أُحبِّر مِدحة ً … أشكره في أُخرى على تَحبيرِها

إذ من معادن فضلِه نظَّمتُها … وبه اهتديتُ إلى التقاطِ شذورها

هو ذاك مُنتجع الفصاحة ِ مُجتنى … ثمرِ البلاغة ِ مُستمِدُّ غزيرها

ربُّ القوافي السائراتِ بحيثُ لم … يقطع نهاية َ سيرِها ابنُ أثيرها

وكميُّ مِزبرة ٍ ترى لُسُنَ الضُبا … خُرساً إذ نطقت بآيِ زَبورها

لو شاءَ يوماً ساق أرواحَ العِدى … صِلَة لموصولِ الردى بصريرها

مَن عن لسانِ الروحِ أصبحَ ناطقاً … لا عن لسان لَبيدها وجَريرها

بزواهرٍ نَجمتْ فأطفأ ضوؤها … شُعَلَ النجوم الزُهرِ عند ظهورها

وكأَنَّما طبعت بمرآة ِ السما … بدلَ الكواكبِ شكلهنَّ بنورها

لم يُنشها إلاّ عقوداً، ناثراً … لنظيمها، أو ناظماً لنَثيرها

مِدحاً يُفضلهنَّ ما بين الورى … لنذيرها الهادي وآلِ نذيرها

حيثُ القوافي ما برحن فواركاً … لم تُمنح الشعراءُ غير نُفورها

واليومَ قد صارت طروقَة فحِلها … منه وقرَّ نفارُها بمصيرها

مسكت خُطام قيادها يده وهُم … لم يَمسكوا إلاّ خطام غرورها

وله ذكور اللفظِ دون إناثِها … ولهم إناثُ اللفظِ دون ذكورها

لا زالَ منها ناظماً ما لم يدع … فضلاً لأولها ولا لأخيرها