العودة إلى الله – جمال مرسي
يا نفسُ هل مِن عودةٍ ومآبِ … من قبل طيِّ صحيفتي و كتابي
مالي أراكِ بظلمةٍ ومتاهةٍ … تستعذبينَ مَشَقَّتِي وعذابي
زَحَفَت جيوشُ الشَّيبِ زَحفاً فَاعتَلَت … عَرشَ الفؤادِ تَدُكُّ صَرحَ شبابي
و الأربعونَ تُذيعُ سِرّاً ، لمْ أَكُن … مِن قَبْلِها أدخلتهُ بحسابي
هذا الشبابُ الغضُّ راحَ زَمَانُهُ … وَ الدَّهرُ كشَّر غاضباً عن نابِ
وانقَضَّت الدُّنيا على طُلاّبِها … بزخارفٍ براقةٍ و ثيابِ
فسقتهمُ لما تَنَاسَوْا غَدرَها … كأساً من الآلامِ و الأوصابِ
كم أنشَبَت أظفارَها بِلحومِهِم … فاستسلموا كفريسةٍ لعُقابِ
وَلَكم هَوَت بالمُولَعينَ بسحرها … مِن سامقاتٍ في السَّما لترابِ
ولكم تمنَّاهَا أخو الدنيا ، فَلَم … يظفر طوالَ حياتِهِ بِطِلابِ
أعيتهُ ركضاً خلفها ورَمَت بِهِ … ظَمِئاً ، كمن أعيتهُ خلف سرابِ
لا تدهشي يا نفسُ لا تتعجبي … لا تنظري لي نظرةَ استغرابِ
هذي هي الدنيا ، ألم تتعلمي ؟ … أم أنتِ ممن سفَّهوا أسبابي ؟
فتشدَّقوا بالقولِ أنِّي يائسٌ … أبصرتُها من أضيقِ الأثقابِ
وبأنني لما زهدتُ أطايبي … أوصدتُ في وجه الدُّنا أبوابي
وحبستُ نفسي في قيودِ تَغَرُّبي … و زجرتُها أن بَادَرَت بعتابي
كَلا َّ، فلستُ من الذين توهموا … زوراً ، و لكن من أولي الألبابِ
والمرءُ إن أعطاهُ ربي حكمةً … كانت كبدرٍ ساطعٍ خلاّبِ
يسبي العقولَ بهاؤهُ ، فيزينُها … كالوشيِ يُبدي زينةَ الأثوابِ
هذي هيَ الدنيا كما أبصرتُها … مرَّت أمام العين مرَّ سحابِ
حدَّقتُ فيها ناظريَّ ، فلم أجد … إلا ذئاباً أَوْقَعَت بذئابِ
و الكلُّ فيها شاخِصٌ مُتَرَبِصٌ … بقواطعٍ مسلولةٍ و حِرابِ
و رأيتُ خلقاً يلهثون وراءها … فأنَختُ في وسَطِ الطريقِ رِكابي
وعلمتُ أنَّ العمرَ فيها لحظةٌ … قد تنقضي في جيئَةٍ و ذَهابِ
و الموتُ آتٍ لا يُفَرِّقُ سيفُهُ … بين الصبيِّ و ذلك المُتَصابي
فأخذتُ حِذري بالرجوع إلى الذي … خَلَقَ الدُّنا، أرجو قبولَ متابي
فَوَجَدتُهُ ربّاً غفوراً راحِماً … أنعم بِهِ من غافِرٍ توّابِ
أنَّبتُ نفسي ، لُمتُها ، وبَّختُها … أن لم يكن من قبل ذاكَ إيابي