الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ، – أبو العتاهية

الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ، … وقلَّ في الناسِ منْ يصفُو لهُ خُلُقُ

لمْ يفلقِ المرءُ عن رشدٍ فيتركَهُ … إلاّ دَعاهُ إلى ما يَكْرَهُ الفلَقُ

الباطِلُ، الدّهْرَ، يُلْفَى لا ضِياءَ لَهُ، … والحقُّ أبلجُ فيهِ النورُ يأتلِقُ

متى يُفيقُ حَريصٌ دائِبٌ أبَداً، … وَالحِرْصُ داءٌ لهُ تحتَ الحَشا قَلَقُ

يستغنم الناسُ من قومٍ فوائدهمْ … وَإنّما هيَ في أعناقِهِمْ رَبَقُ

فيَجهَدُ النّاسُ، في الدّنيا، مُنافسة ً، … وليسَ للناسِ شيءٌ غيرَ ما رُزِقُوا

يا مَن بنى القَصرَ في الدّنْيا، وَشَيّدَه، … أسّسْتَ قَصرَكَ حَيثُ السّيلُ وَالغرَقُ

لا تَغْفُلَنّ، فإنّ الدّارَ فانِيَة ٌ، … وشربهَا غصصٌ أو صفوهَا رنقُ

والموتُ حوضٌ كريهٌ أنت واردُهُ … فانظرْ لنفسكَ قبلَ الموتِ يا مَذِقُ

اسْمُ العَزيزِ ذَليلٌ عِنْدَ مِيتَتِهِ؛ … وَاسْمُ الجَديدِ، بُعَيدَ الجِدّة ِ، الخَلَقُ

يَبلى الشّبابُ، وَيُفني الشّيبُ نَضرتَهُ، … كمَا تَساقَطُ، عن عيدانها، الوَرَقُ

ما لي أرَاكَ، وَما تَنفَكّ من طَمَعٍ، … يَمْتَدّ مِنْكَ إلَيْهِ الطّرْفُ، وَالعُنُقُ

تَذُمّ دُنْياكَ ذَمّاً لا تَبُوحُ بِهِ، … إلاّ وَأنْتَ لهَا في ذاكَ مُعْتَنِقُ

فَلَوْ عَقَلْتُ لأعْدَدْتُ الجِهازَ لهَا، … بعدَ الرحيلِ بهَا ما دامَ لي رمقُ

إذا نَظَرْتَ مِنَ الدّنْيا إلى صُوَرٍ، … تخَيّلَتْ لكَ يَوْماً فَوْقَها الخِرَقُ

ما نَحْنُ إلاّ كَرَكْبٍ ضَمّهُ سَفَرٌ … يَوْماً، إلى ظِلّ فَيٍّ ثُمّتَ افترَقُوا

وَلا يُقيمُ على الأسْلافِ غابِرُهُمْ، … كأنهمْ بهمِ مَنْ بعدهمْ لحقُوا

ما هبَّ أو دبَّ يفنَى لا بَقاءَ لهُ … والبَرُّ، والبَحرُ، وَالأقطارُ، وَالأفقُ

نستوطِنُ الأرضَ داراً للغرورِ بِهَا … وَكُلّنا راحِلٌ عَنها، وَمُنْطَلِقُ

لَقَدْ رَأيْتُ، وَما عَيني براقِدَة ٍ، … قتلَى الحوادثِ بينَ الخلقِ تخترقُ

كمْ من عزيزٍ أذلَّ الموتُ مصرعَهُ … كانَتْ، على رَأسِهِ، الرّاياتُ تختفقُ

كلُّ امرء ولهُ رزقٌ سيبلغُهُ … واللهُ يرزُقُ لا كيسٌ ولا حمقُ

إذا نَظَرْتُ إلى دُنْياكَ مُقْبِلَة ً، … فلا يغُرَّنْكَ تعظِيمٌ ولا مَلَقُ

أخَيَّ إنَّا لنحنُ الفائزونَ غَدَا … إنْ سلَّمَ اللهُ منْ دارٍ لهَا علقُ

فالحمدُ للّهِ حمْداً لا انْقِطاعَ لَهُ، … ما إنْ يُعَظَّمُ إلا مَنْ لَهُ ورقُ

والحمدُ للهِ حمداً دائماً أبداً … فازَ الّذينَ، إلى ما عِندَهُ، سَبَقُوا

ما أغفلَ الناسَ عنْ يومِ انبعاثهمِ … وَيوْمِ يُلجِمهُم، في الموْقِفِ، العَرَقُ