البحيرة – إبراهيم ناجي
……. … …….
من شاطئِ لشواطئٍ جددِ … يرمي بنا ليلٌ من الأبدِ
ما مَرّ منه مضى فلم يعدِ … هيهات مرسى يومِه لغدِ
سنةٌ مضت وختامُها حانا … والدهرُ فرّق شملَنا أبدا
ناجِ البحيرةَ وحدك الآنا … واجلسْ بهذا الصخرِ منفردا
قل للبحيرةِ تذكرين وقد … سكن المساءُ ونحن باللجِّ
لا صوت يسمع في الدنى لأحدْ … الا صدى المجدافِ والموجِ
فاذا بصوتٍ غير معتادِ … هزّ السكونَ هتافهُ العذبُ
أصغى العبابُ ورجَّع الوادي … أصداءَه وتناجتِ السحبُ
يا. دهر في وفق ولا تدرِ: … ساعاته في هينة وقفى
حتى تتاح هناءةُ العمرِ … وتطول لذتُها لمقتطفِ
هلا التفتَّ لذلك الكونِ … وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضنيْ … خلِّ الممتِّعِ وامضِ بالشاكي
هذا النعيم وهاته المحنُ … يتنافسان الدهر اقلاعا
فبأي عدلٍ أيها الزمنُ … تتشابهُ الحالان إسراعا
يا أيها الأبد السحيق أجبْ … وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهرٍ وحقبْ … ونعيم عمرٍ غير معتاض
ناج البحيرةَ والصخورِ وعُدْ … فاستحلِف الأغوارَ والغابا
قل صُنْ ذكر غرامنا فلقدْ … صين الشبابُ عليك أحقابا
ولتبق يا هذي البحيرة في … حاليك ثائرة وهادئةً
في باسق للماء منعطفٍ … في رائعات الصخر نائتةً
في عابر النسماتِ مرتجفَا … في النجم فضض صفحةَ الماءِ
في الريح أنّ أنينه وهفا … في الغصن نفَّسَ حر أحشاءِ
في الجو معتبقاً بريّالِ … خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتفٌ باكي … سيقول يا أسفا لقد ذهبا