إذا جاءتِ الأرسال من عند مُرسِلِ – محيي الدين بن عربي
إذا جاءتِ الأرسال من عند مُرسِلِ … إلى كلِّ ذي قلبٍ بوحيٍ منزلِ
علمتُ به ما لم أكن قد علمته … وعللته بي وهو خيرُ معلل
فلولا وجودي لمْ يكنْ ثمَّ نازلٌ … كما أنه بي كان عينُ التنزُّلِ
وقد علمتْ أسماؤه أنّ ذاتنا … بعلمٍ صحيحٍ أنها خيرُ منزل
تخيلتُ أني سامعٌ وحيَ قولِه … فشاهدتُ من أوحى السميعُ لمقولي
فقلت أنا عين المقولِ فقال لي … تأمل فليس المقولُ عني بمعزِل
فثبت عندي أنه القول مثلما … هوَ السمعُ فلأمرانِ منهُ لهُ ولي
وإني وإنْ كنتُ المبلغَ وحيه … إلى كلِّ ذي سمعٍ فلستُ بمرسلِ
ولكنني في رتبة ِ القومِ وارث … بحالٍ وعقدٍ ثمَّ قولٍ مفصلِ
وقلْ تابعْ إنْ شئتَ فالقولُ واحدٌ … ولا تبتدعْ قولاً فلستُ بأفضلِ
به ختم الله الشرائعَ فاعلمن … ولا تعملنَ يا صاحِ في غير معملِ
وما انقطع الوحي المنزلُ بعدَه … ولكن بغير الشرعِ فاعلمه واعمل
تصرفتِ الأرواحُ بيني وبينهُ … بشرقٍ وغربٍ في جنوبِ وشمألِ
وما أنا ممن قيَّد الحب قلبَه … بليلى ولبنى أو دخولٍ وماسلِ
ألا إنَّ حبي مطلقُ الكونِ ظاهرٌ … سوى ما شهدنا منه عند التمثل
كمريمَ إذ جاءَ البشيرُ ممثلاً … على صورة ٍ مشهودة ٍ في التبعلِ
فألقى إليها الروح روحاً مقدّساً … يسمى بعيسى خيرِ عبدٍ ومرسلِ
فلم أدر هل بالذاتِ كان وجودُ ما … رأيتُ بها أو كانَ عندَ تأملِ
أنا واقفٌ فيهِ إلى الآنِ لمْ أقلِ … بما هو إلا أنْ يقولَ فينجلي
وقلتُ لهُ لا بدَّ إنْ كنتَ قاطعاً … وجودي على التحقيقِ منكَ فأجملِ
فإني ورب البيتِ لستُ من الذي … إذا قال قولاً كان فيه بمؤتل
كمثلِ ابنِ حَجرٍ حين قال بجهله … لمحبوبة ٍ كانت له عند حوملِ
وإنْ كنتِ قد ساءتكِ مني خليقة ٌ … فسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تنسلِ
وهيهاتَ كيفَ السلُّ والثوبُ واحدٌ … فممنْ وعيني ليسَ غيرَ مؤملِ
بذلتُ لهُ جهدي على القربِ والنوى … وكانت حياتي بالمنى والتعلل
وهذا مُحالٌ أنْ يكون فإنني … حقيقة من أهواه من غير فيصل
توليتُ عنهمُ حينَ قالوا بأنهم … سواي فما أعطيتهم في تململي
أغرّك إقبالي بصورة مُعرضٍ … كذلكَ إغراضي بصورة ِ مقبلِ
فمكري مكرُ اللهِ إنْ كنتَ عالماً … فمهما تشا فأمر فؤادي يفعل
أبيتُ لعز أنت فيه محقق … على كلِّ عقدٍ كان إلا تذللي
فواللهِ ما عزي سوى عينِ ذلتي … فإن شئتَ فاعلم ذاك أو شئت فاجهلِ
وواللهِ ما عزي سوى ذلتي التي … يكون لها فضلٌ لكلِّ موصل
كذا قالَ بسطامينا في شهودِهِ … بعلمٍ صحيحٍ ما به من تحيُّل
فإنَّ وصالي ليسَ لي بحقيقة ٍ … وإنَّ فصالي حاكم بالتوسُّل
فما ليَ منْ وصلٍ سوى ما ذكرتُهُ … ففقري وذلي فيهِ عينُ التوصلِ
دليلي على ما قلت في ذاك أنني … إذا جئتُ أسكنُ قيلَ لي قمْ ترحلِ
وما هي إلا من شؤونك رحلتي … وما الشانُ الأغلى قدر بمرجل
فأسفله أعلاه والعلو سافلُ … فقلْ ما تشاءُ واحملهُ في كلِّ محملِ
يسع حمله فالحالُ حالي وإنه … بريءٌ فلا تعدلُ بهِ غيرَ معدلِ
ونزه وجودَ الحقِّ عنْ كلِّ حادثٍ … فإن وجودَ الحق كوني فضلل
فما علمنا باللهِ إلا تحيرٌ … كذا جاءَنا في محكمِ الذكرِ واسألِ
فكن عبدَ قنٍّ لا تكن عبدَ نعمة ٍ … وإنْ هو ولاّك الأمورَ فلا تل
فما ثمَّ إلا العرضُ ما ثمَّ فيصلٌ … فقد أغلقَ البابُ الذي كان للولي
أراح به الأتباعَ أتباعَ رُسْله … فكم بين معلولٍ وبين معللِ
فما العلة ُ الأولى سوى العلة ِ التي … هيَ القمرُ العالي على كلِّ معتلي
أنا أكرم الأسلافِ في كل مشهدٍ … أعينُ فيهِ منْ معمٍّ ومخولِ
فوالدنا من قد علمتم وجودَه … ولمْ تعلموا ما هوَ لمنصبهِ العلي
وأمي التي ما زلتُ أذكرها لكمْ … من النفس العالي النزيه المكمل
بهمْ كنتُ في أهلِ الولاية ِ خاتماً … فكلُّ وليّ جاء من بعدنا يلي
فيحصل فيه نائباً عن ولا يتي … بذا قالَ أهلُ الكشفِ عنْ خيرِ مرسلِ
كعيسى رسولِ الله بعدَ محمدٍ … فأنزله الرحمنُ منزلة َ الولي
فيحكم فينا منْ شريعة ِ أحمدٍ … ويتبعه في كلِّ حكمٍ مُنزلِ