أُداري العيونَ الفاتراتِ السَّواجيا – أحمد شوقي

أُداري العيونَ الفاتراتِ السَّواجيا … وأَشكو إليها كَيْدَ إنسانِها لِيا

قتلنَ ومنين القتيلَ بألسُن … من السحر يبدلنَ المنايا أمانيا

صرحٌ على الوادي المباركِ ضاحي … متظاهرُ الأعلامِ والأوضاحِ

السحرُ من سُود العيونِ لقيُتهُ … والبابليُّ بلحظهنّ سُقِتُهُ

وكلَّمْنَ بالأَلحاظِ مَرْضَى كَليلة ً … فكانت صحاحاً في القلوب مواضيا

ضافي الجلالة كالعَتيق مُفَضّل … ساحات فضل في رِحابِ سَماحِ

… عدا فاستبدّ بعقل الصبيّ

وكأن رفرفه رواقٌ من ضحى ً … وكأن حائطه عمودُ صباحِ

حببتك ذاتَ الخالِ ، والحبُّ حالة ٌ … إذا عرضت للمرءِ لم يدر ما هيا

الحقُّ خَلفَ جناحٍ استذرى به … ومَرَاشِدُ السلطانِ خلفَ جَناح

وإنك دنيا القلب مهما غدرته … أَتى لكِ مملوءاً من الوجْد وافيا

صدودك فيه ليس يألوه جارحاً … ولفظُكِ لا ينفَكُّ للجرح آسِيا

ياسلاح العصر بُشِّرنا به … كلُّ عصر بِكَمِيٍّ وسلاح

ة َ؟ لقد لعبوا وهْيَ لم تَلْعَب … تجرِّبُ فيهم وما يعلمو

هو هيكلُ الحريّة ِ القاني، له … ما للهياكلِ من فِدًى وأَضاح

وكأَن أَحلامَ الكعاب بيوتُه … تحتَ النبالِ وصَوْبِها السَّحّاح

وبين الهوى والعذلِ للقلب موقفٌ … كخالك بينَ السيفِ وانار ثاويا

وأغنَّ أكحلَ من مَها بكفيّة … علقت محاجرُه دمي وعلقته

وبين المنى واليأس للصبر هزة ٌ … كخصركِ بين النهدِ والردفِ واهيا

يَنهارُ الاستبدادُ حولَ عراصِه … مثلَ انهيارِ الشِّركِ حولَ صَلاح

هو غرَّة ُ الأَيامِ فيه، وكلكم … مُتَحَطِّمَ الأَصنامِ والأَشباح

وعرّض بي قومي، يقولونَ: قد غوى … عدِمتُ عذولي فيكِ إن كنتُ غاويا

يَرومونَ سُلواناً لقلبي يُريحُهُ … ومن لِيَ بالسُّلْوانِ أَشريه غاليا؟

هو ما بَنَى الأعزال بالرَّاحات ، أو … هو ما بنى الشهداءُ بالأرواحُ

السلسبيلُ من الجداول وردُه … والآسُ من خضْرِ الخمائل قوتُه

أخذته مصر بكل يومٍ قاتمٍ … وَرْدِ الكواكب أَحمرِ الإصباح

وما العشق إلا لذة ٌ ثم شقوة ٌ … كما شقيَ المحمور بالسكر صاحيا

هبَّتْ سِماحاً بالحياة شبابها … والشيبُ بالأَرْمَاق غَيْرُ شحاح

ومشتْ إلى الخيل الدوَارع وانبرت … للظَّافر الشاكي بغير سلاحِ

فازور غضباناً وأعرض نافراً … حالٌ من الغيدِ الملاحِ عرفتُه

وَقَفاتُ حقٍّ لم تقفْها أُمّة ٌ … إلا انْثنتْ آمالُها بنجاح

هَزَّ الربيعِ مَنَاكِبَ الأَدواح … جعلوا المآتمَ حائطَ الأَفراحِ

… وأَبهى من الورد تحت الندى

تسري ملمَّحة الحجول على الرُّبى … وتسيل غُرَّتُها بكل بِطاح

قالت ترى نجمَ البيان بل … وتعرضُهم مَوكِباً موكِباً

التامتِ الأحزابُ بعدَ تَصَدُّع … لَبَّى أَذانَ الصُّلحِ أَوّلَ قائمٍ

حفظاً ولا طلبُ الجديد يفوته … وَمَشَى على الضّغْن الودادُ الماحي

وَجَرَتْ أحاديثُ العتابِ كأنها … سَمَرٌ على الأوتارِ والأقداح

إِنَّ هذا الفَتحَ لا عهدَ به … لضِفاف النيلِ من عهد فتاح

جميلٌ عليهم قشيبُ الثيا … سِ تَلَقَّى الحياة َ فلم يُنجِب

ترمي بِطرفِك في الجامِع لا ترى … غيرَ التعانُقِ واشتباكِ الراح

ميلي انظُريه في النَّدِيِّ كأنّه … عثمانُ عن أُمِّ الكتابِ يُلاحي

كم تاجِ تضحية ٍ وتاج كرامة ٍ … للعين حولَ جبينه اللماح

… حقائبُ فيها الغدُ المُختَبي

والشيب منبثقٌ كنور الحقِّ من … فوديه ، أو فجرِ الهدى المِنصاحِ

… والصلحُ خُمس قواعِد لإصلاح

مَلكُ الهضابِ الشمِّ سلطانُ الرُّبى … هامُ السحاب عروشه وتُخوته

سبقَ الرجَالَ مُصافِحاً ومُعانِقاً … يمنى السّماح وهيكَلَ الإسجاح

عدلى الجليل ابن الجليل من الملا … والماجد ابن الماجد المِسماح

والأبلقُ الفردُ انتهت أوصافُه … في السُّؤدد العالي له ونُعوته

حلوُ السجيَّة في قناة ٍ مُرَّة ٍ … فمشى إليّ وليس أَوّل جؤذَرٍ

إذا رفَّ في فرعه الأَهْدب … أَهابت هِراوتُه بالرِّفا

شَتَّى فضائلَ في الرجال، كأَنها … شَتَّى سلاحٍ من قناً وصِفاح

فإذا هيَ اجتمعت لِمُلك جَبْهَة ً … كانت حصونَ مَناعة ٍ ونِطاح

الله أَلَّف للبلاد صدورَها … من كل داهية ٍ وكل صُراح

وكأن أيامَ الشباب ربوعُه … وكأن احلامَ الكعاب بيوتُه

وتكاد الطيرُ من خفَّته … تتعالى فيه من غير جَناح

وزراءُ مملكة ٍ، دَعائِمُ دولَة ٍ … أعلامُ مُؤتَمَرٍ ، أسودُ صَباحِ

يَبنون بالدستورِ حائطَ مُلْكِهم … لا بالصِّفاحِ ولا على الأَرْماحِ

وجَوَاهرُ التيجانِ ما لم تُتَّخَذْ … من مَعدِنِ الدستورِ غيرُ صِحاح

احتل حِصْنَ الحقّ غيرُ جنودِهِ … وتكالبت أَيْدٍ على المفتاحِ

هناك، وفي جُنْدِها الأَغلب … لبنانُ في ناديكمو عظمتُه

قد زاني إقبالكم وقبولُكم … شرفاً على الشرف الذي أوليته

القاتلاتِ بعابثٍ في جَفنه … واسْتوْحَشَتْ لِكُماتِها النُّزّاحِ

هُجرَت أرائكُهُ ، وعُطِّلَ عودُه … وخلا من الغادين والرُّوّاحِ

تاجُ النيابة في رفيع رءُوسكم … تؤلِّفهُم في ظِلال الرخا

لُبنانُ دارَتُه وفيه كِناسُه … كالغارِ من شرفٍ وسمتِ صلاح

قلْ للبنين مقالَ صدقٍ، واقْتَصِدْ … ذَرْعُ الشباب يضيق بالنَّصّاحِ

أنتم بنو اليوم العصيب، نشأتمو … في قَصْفِ أَنواءٍ، وعَصْف رياحِ

وشهدتمُ صَدْعَ الصفوفِ وما جَنَى … من أَمْر مُفْتاتٍ ونَهْي وَقاحِ

صوتُ الشعوب من الزئير مُجمَّعاً … فإذا تفَرَّقَ كان بعضَ نُباحِ

أَظْمَتْكُمُ الأَيامُ، ثم سقتكمُ … رنقاً من الإحسانِ غيرَ قراحِ

وإذا مُنِحْتَ الخيرَ من مُتَكَلِّفٍ … ظَهَرَتْ عليه سجيَّة ُ المناحِ

تركتمو مثلَ المَهيضِ جناحُه … لا في الحبال ، ولا طليق سَراحِ

مَنْ صَيَّرَ الأَغلالَ زَهْرَ قَلائدٍ … وكسا القيودَ محاسنَ الأَوضاح؟

إن التي تبغون، دون منالِها … طولُ اجتهادٍ ، واضطرادُ كِفاحِ

سروا إليها بالأناة طويلة … إن الأَناة َ سبيلُ كلِّ فلاح

وخذوا بناءَ المُلكِ عن دستوركم … إن الشِّراعَ مُثَقِّفُ الملاَّح

يا دارَ محمودٍ، سَلِمتِ، وبورِكت … أَركانُكِ الهرميَّة ُ الصُّفَّاح

وازددت من حسنِ الثناءِ وطيبه … حجراً هو الدُّرِّيُّ في الأَمداح

الأُمة ُ انتقلتْ إليك ، كأنمَا … أنزلتِها من بيتها بنجاح

بركاتُ شيخٍ بالصعيد مُحمَّل … عِبْءَ السنينَ مُؤمَّلٍ نفّاح

بالأمس جادَ على القضية ِ بابنه … واليومَ آواها بأَكْرَم ساح