أَمِنْ آلِ نُعْمِ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ – عمر ابن أبي ربيعة

أَمِنْ آلِ نُعْمِ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ … غداة َ غدٍ، أم رائحٌ فمهجرُ

لحَاجَة ِ نَفْسٍ لم تَقُلْ في جَوَابِها … فتبلغَ عذراً والمقالة ُ تعذرُ

تهيمُ إلى نعمٍ فلا الشملُ جامعٌ، … وَلا الحَبْلُ مُوْصُولٌ ولا القَلْبُ مُقْصِرُ

ولا قربُ نعمٍ إن دنتْ لك نافعٌ، … وَلاَ نأْيُهَا يُسْلي وَلاَ أَنْتَ تَصْبِرُ

وأخرى أنتَ من دونِ نعمٍ، ومثلها … نَهَى ذا النُّهَى لَوْ تَرْعَوي أَوْ تُفَكِّرُ

إذا زُرْتُ نُعْماً لَمْ يَزَلْ ذُو قَرَابَة ٍ … لها، كلما لاقيتهُ، يتنمرُ

عَزيزٌ عَلَيْهِ أَنْ أُلِمَّ بِبَيْتِهَا … يسرُّ لي الشحناءَ، والبغضُ مظهر

أَلِكْنِي إليْها بالسَّلامِ فإنَّهُ … يشهرُ إلمامي بها وينكرُ

بِآيَة ِ ما قَالَتْ غَداة َ لَقِيْتُها … بِمَدْفَعِ أَكْنَانٍ: «أَهذا المُشَهَّرُ؟»

أشارتْ بمدارها، وقالت لأختها: … “أهذا المغيريُّ الذي كان يذكر؟”

“أهذا الذي اطربتِ عتاً، فلم اكن، … وعيشكِ، انساهُ إلى يومَ أقبر”

فقالت: “نعمْ، لا شكّ غير لونهُ … سُرَى اللَّيْلِ يُحْيي نَصَّهُ والتَّهَجُّرُ»

“لئنْ كان إياهُ، لقد حالَ بعدنا … عن العهدِ، والغنسانُ قد يتغير”

رأتْ رجلاً أما إذا الشمسُ عارضتْ … فَيَضْحَى وأَمَّا بالعَشيِّ فَيَخصرُ

أخا سفرٍ جوابَ أرضٍ تقاذفتْ … بِهِ فَلَوَاتٌ فَهْوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ

قليلاً على الظهرِ المطية ِ ظلهُ، … سِوَى ما نَفَى عَنْهُ الرِّداءُ المُحَبَّر

واعجبها من عيشها ظلُّ غرفة ٍ، … وَرَيّانُ مُلْتَفُّ الحَدَائِقِ أَخْضَرُ

ووالٍ كفاها كلَّ شيءٍ يهمها، … فليستْ لشيءٍ آخرَ الليلِ تسهر

وَلَيْلَة َ ذِي دَوْرَانَ جَشَّمْتِني السُّرَى … وقد يجشمُ الهولَ المحبُّ المغرر

فبتُّ رقيباً للرفاقِ على شفاً، … أحاذرُ منهمْ من يطوفُ، وأنظر

إلَيْهِمْ مَتَى يَسْتَمْكِنُ النَّوْمُ مِنْهُمُ … وَلَي مَجْلِسٌ لَوْلا اللُّبَانَة ُ أَوْعَرُ

وباتتْ قلوصي بالعراءِ ورحلها، … لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمَنْ جَاءَ مُعْوِرُ

وَبِتُّ أُنَاجي النَّفْس: «أَيْنَ خِبَاؤها؟ … وَكَيْفَ لِمَا آتِي مِنَ الأَمْرِ مَصْدَرُ؟»

فَدَلَّ عَلَيْهَا القَلْب رَيّا عَرَفْتُها … لَهَا وَهَوَى النَّفْسِ الَّذِي كاد يظْهَرُ

فَلَمَّا فَقَدْتُ الصَّوْتُ مِنْهُمْ وأُطْفِئَتْ … مَصَابِيحُ شُبَّتْ بِکلْعَشاءِ وَأَنْؤُرُ

وغابَ قميرٌ كنتُ أرجو غيوبهُ، … وَرَوَّحَ رُعْيَانٌ، وَنَوَّمَ سُمَّرُ

وَنَفَّضْتُ عَنِّي النَّوْم، أَقْبَلْتُ مِشْيَة َ الْـ … حبابِ، وركني، خشية َ القومِ، أزور

فحييتُ إذ فاجأتها، فتولهتْ، … وكادتْ بمخفوضِ التحية ِ تجهر

وَقَالَتْ وَعَضَّتْ بِکلبَنَانِ: «فَضَحتَني … وأنتَ امرؤٌ، ميسورُ أمرك أعسر”

” أريتكَ، إذ هنا عليكَ، ألمْ تخفْ، … وقيتَ، وحولي من عدوكَ حضر؟”

“فواللهِ ما ادري أتعجيلُ حاجة ٍ، … سَرَتْ بِكَ، أَمْ قَدْ نَامَ مَنْ كُنْتَ تَحْذَرُ؟»

فقلتُ لها: “بل قادني الشوقُ والهوى … إليكِ، وما عَينٌ من النّاسِ تَنظرُ»

فقالتْ وقد لانتْ وأفرخَ روعها: … “كلاكَ بحفظٍ ربكَ المتكبر”

«فأَنْتَ، أَبَا الخَطَّابِ، غَيْرَ مُدَافَعٍ، … عَلَيَّ أَميرٌ، مَا مَكَثْتَ، مُؤَمَّرُ»

فبتُّ قريرَ العينِ، أعطيتُ حاجتي، … أقبلُ فاها، في الخلاء، فأكثر

فيا لكَ منْ ليلٍ تقاصرَ طولهُ، … وَمَا كَانَ لَيْلي قَبْلَ ذَلِكَ يَقْصُرُ

ويا لكَ من ملهى ً هناكَ ومجلسٍ … لنا، لم يكدرهُ علينا مكدر

يمجّ ذكيَّ المسكِ منها مفلجٌ، … رقيقُ الحواشي ذو غروبٍ مؤشر

تراه، إذا تفترّ عنهُ، كأنهُ … حصى بردٍ، أو أقحوانٌ منور

وترنو بعينيها إليّ، كما رنا، … إلى ربربٍ وسطَ الخميلة ِ، جؤذر

فلما تقضى الليلُ إلا أقلهُ، … وكادتْ توالي نجمهِ تتغور

أشارتْ “بأنّ الحيّ قد حانَ منهمُ … هبوبٌ، ولكنْ موعدٌ لكَ عزور”

فَمَا رَاعَني إلاَّ مُنادٍ: «تَرَحَّلوا» … وَقَدْ لاَح مَفْتوق مِنَ الصُّبْحِ أَشْقَرُ

فَلَمَّا رَأَتْ مَنْ قَدْ تَنَبَّه مِنْهُمُ … وأيقاظهم، قالت: “أشر كيف تأمر؟”

فَقُلْتُ: «أُبَادِيهِمْ فَإمَّا أَفُوتُهُمْ … وَإمّا ينالُ السَّيْفُ ثَأْراً فَيَثْأَرُ»

فَقَالَتْ: «أَتَحْقِيقاً لِما قَال كَاشِحٌ … علينا، وتصديقاً لما كان يؤثرُ؟”

“فإنْ كانَ ما لابدّ منهُ، فغيرهُ، … مِنَ الأَمْرِ أَدْنَى لِلْخَفاءِ وأَسْتَرُ»

«أَقُصُّ عَلَى أُخْتَيَّ بَدْءَ حَدِيثِنا … وَمَا لِيَ مِنْ أَنْ تَعْلَمَا مُتَأَخَّرُ»

“لعلهما أن تطلبا لكَ مخرجاً، … وَأَنْ تَرْحُبا صدراً بِمَا كُنْتُ أَحصُرُ»

فقامتْ كئيباً ليسَ في وجهها دمٌ، … منَ الحزنِ، تذري عبرة ً تتحدر

فقامتْ إليها حرتانِ عليهما … كساءان مِنْ خَزٍّ دِمَقْسٌ وأَخْضَرُ

فقالتْ لأختيها: “أعينا على فتى ً، … أَتَى زَائِراً والأَمْرُ لِلأَمْرِ يُقْدَرُ»

فَأَقْبَلَتا فارْتَاعَتا ثُمَّ قَالَتا: … «أَقِلِّي عَلَيْكِ اللَّوْمَ فَالْخَطْبُ أَيْسَرُ»

فقالتْ لها الصغرى : “سأعطيهِ مطرفي … ودرعي وهذا البُرْدَ إنْ كان يحذر»

«يَقُومُ فَيَمْشي بَيْنَنَا مُتَنَكِّراً … فلا سرنا يفشو ولا هو يظهر”

فكان مجني دونَ من كنتُ اتقي، … ثَلاثُ شُخوصٍ: كاعِبانِ وَمُعْصِرُ

فلما أجزنا ساحة َ الحيِّ قلنَ لي: … «أَلَمْ تَتَّقِ الأَعْدَاءَ واللَّيْلُ مُقْمِرُ؟»

وَقُلْنَ: «أَهَذا دَأْبُكَ الدَّهْرَ سادِراً … أما تستحي أم ترعوي أم تفكر؟”

“إذا جئتَ فامنحْ طرفَ عينيكَ غيرنا، … لِكَيْ يَحْسِبوا أَنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ»

فآخرُ عهدٍ لي بها حينَ أعرضتْ، … ولاحَ لها خدٌّ نقيٌّ، ومحجر

سِوَى أَنَّني قَدْ قُلْتُ: يا نُعْمُ قَوْلَة ً … لَها والعِتَاقُ الأَرْحَبِيّاتُ تُزْجَرُ

هنيئاً لأهلِ العامرية ِ نشرها اللذي … ذُ، ورياها التي أتذكرُ

فَقُمْتُ إلَى عَنْسٍ تَخَوَّنَ نَيَّها … سُرَى اللَّيْلِ حَتَّى لَحْمُها مُتَحَسَّرُ

وحبسي على الحاجاتِ، حتى كأنها … بَقِيَّة ُ لَوْحٍ أَوْ شِجارٌ مُؤَسَّرُ

وماءٍ بِمَوْماة قَليلٍ أَنِيسُهُ … بسابسَ لم يحدث به الصيفَ محضر

بِهِ مُبْتَنًى لِلْعَنْكَبُوتِ كَأَنَّهُ … على طرفِ الأرجاءِ خامٌ منشر

وَرَدت وَمَاأَدري أَما بَعْدَ مَوْرِدي … مِنَ اللَّيْلِ أَمْ ما قَدْ مَضَى مِنْهُ أَكْثَرُ

فَقُمْتُ إلى مِغْلاة ِ أَرْضٍ كَأَنَّها … إذا التفتتْ مجنونة ٌ حين تنظرُ

تُنَازعُني حِرْصاً عَلى الماءِ رَأْسها … وَمِنْ دُونِ ما تَهْوَى قَليبٌ مُعوَّرُ

محاولة ُ للماءِ، لولا زمامها، … وجذبي لها، كادتْ مراراً تكسر

فلما رأيتُ الضرّ منها، وأنني … بِبَلْدَة ِ أَرْضٍ لَيْس فيها مُعصَّرُ

قَصَرْتُ لَهَا مِنْ جانب الحَوْض مُنْشَأً … جَديداً كَقَابِ الشِّبْرِ أَوْ هُو أَصْغَرُ

إذا شرعتْ فيه، فليسَ لملتقى … مشافرها منه قدى الكفِّ مسأر

وَلاَ دَلْوَ إلاَّ القَعْبُ كَانَ رِشاءَهُ … إلَى الماءِ نِسْع والأَدِيمُ والمُضَفَّرُ

فسافتْ، وما عافتْ، وما ردّ شربها … عَنِ الرَّيِّ مَطْرُوقٌ مِنَ کلماءِ أَكْدَرُ