أَلفَيتُها وَمن التَحَسُّر لا تَعي – الياس أبو شبكة

أَلفَيتُها وَمن التَحَسُّر لا تَعي … تَذري الدُموعَ وَحيدَةً في المخدعِ

فَكَأَنَّها وَالدَمعُ يخطِفُ صَوتَها … رَمزٌ التَعاسَةِ في الزَمانِ الموجعِ

فَسأَلتَها عَمّا يُشيرُ شجونَها … وَعَلامَ تُطلِقُ زَفرَةَ المُتَفَجِّعِ

فَإِذا بِها رَفَعَت لطافَةَ رَأسِها … بِتَخَشُّعِ أَوحى إِلَيذَ تَخشعي

وَرَنَت إِلى قَفصٍ هُناكَ مُعَلَّقٍ … بِمَحاجِرٍ غَرِقَت بِماءِ الأَدمُعِ

فَحَزَرتُ أَنَّ الدَهرَ سلَّم طيرها … ليدِ الحِمامِ فَطيرُها لم يرجِع

قالَت فَقَدتُ من الحَياةِ مُؤاسِياً … يا طالَما أَوحى الهمامَ لِأَضلُعي

فَإِذا تَغنّى بِالزُهورِ وَبِالنَدى … كَيفَ الهَوى لِغُناهُ لَم يَتَسَمَّعِ

وَآلهفَ قَلبي أَينَ مِنهُ قَصائِدٌ … لَم يروِها حَتّى بَيانُ الأَصمَعي

بَل أَينَ مِنهُ الموصِلي وَصوته … وَلِسانُ معبدِ بِالغِناءِ المبدعِ

وَآلهفَ قَلبي كَيفَ واراهُ الثَرى … وَأَنا هُنا أَحيا بِعَيشٍ أَمرعِ

أَوَلَم يَكُن لي في حَياتي مُؤنِساً … يَلهو بِهِ قَلبي وَيَطرَبُ مَسمَعي

ماذا جَنى الحسونُ في جُنحِ الدُجى … حَتّى أُصيبَ بِسَهمِ ذلِكَ الأَسفَعِ

أَلِأَنَّهُ هجرَ الحُقولَ وَبردَها … وَأَتى يغرِّدُ في زَوايا مخدَعي

فَأَجَبتُها كفّي البكا وَتصبُّري … فَالطَيرُ ماتَ وَلم يَعد من مَطمَعِ

لكِنَّما أَصغي لما سَأَقولُه … فَبِمَوتِهِ عظةٌ لِكُلِّ ملوِّعِ

كم رَدَّدت في مَسمَعَيكِ مَراشِفي … حريتي يا ميُّ أَثمنُ ما مَعي

فَنَبَذتِها وَجَحدتِ ما ردَّدته … وَصَنعتِ بِالحسونِ أَفظَعَ مصنَعِ

ما جاءَ حَتّى تَسجنيهِ وَإِنَّما … حَتّى تقيهِ شَرَّ فَقرٍ مدقعِ

فَجَعَلتِهِ بَينَ الحَديدِ مُقَيَّداً … يا حُرَّةً قَيَّدتِ حراً فَاِنزَعي

لَو يَفقَهُ الإِنسانُ مَعنى شَرِّه … لَبَكى طَيلاً بِالدُموعِ الهمَّعِ