أَفَرِيدُ لاَ تَبْعَدْ عَلَى الأَدْهَارِ – خليل مطران
أَفَرِيدُ لاَ تَبْعَدْ عَلَى الأَدْهَارِ … أَنْتَ الشَّهِيدُ الْخَالِدُ التَّذْكَارِ
بِالأَهْلِ بِالدمِ بِالرَّفَاهَةِ بِالغِنى … فَدَّيْتَ مِصْرَ وَفَدَّيْتَ مِنْ دَارِ
حَرَّرْتَ نَفْسَكَ دَائِبَ المَسْعَى إِلى … تَحْرِيرِهَا لِتُعِزَّ بَعْدَ صَغَارِ
مُسْتَرْسِلاً وَالدَّهْرُ فِي إِقْبَالِهِ … مُسْتَبْسِلاً وَالدَّهْرُ فِي الإِدْبَارِ
ثَبْتاً إِذَا مَا الرَّاسِخونَ تَقَلْقَلُوا … مُتَوَافِقَ الإِعْلاَنِ وَالإِسْرَارِ
فَبَرَرْتَ بِالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتَهُ … وَوَفَيْتَ فِي الإِيسَارِ وَالإِعْسَارِ
مَا كَانَ ذَاكَ الْعُمْرُ إِلاَّ قُرْبَة … مَوْصُولَةَ الآصَالِ بِالأَسْحَارِ
وَمِنَ المُنَى مَا لَيْسَ يُوفَى حَقُّهُ … حَتَّى يَكُونَ الْجَودُ بِالأَعْمَارِ
إِنِّي لأَذْكُرُ مُصْطَفَى وَرَفِيقهُ … فِي مُسْتَهَلِّهِمَا وَفِي الإِبْدَارِ
مُتَوَخِّياً إِعْتَاقَ مِصْرَ كِلاَهُمَا … وَكِلاَهُمَا لأَخِيهِ خَيْرُ مُبَارِ
وَكِلاَهُمَا يَسْعَى الْغَدَاةَ مُذَلِّلاً … سُبُلَ النَّجَاحِ لِمُقْتَفِي الآثَارِ
وَكَأَنَّ مِصْرَ حِيَالَ كُلِّ مَخَاطِرَ … إِذْ ذَاكَ فِي شُغُلٍ عَنِ الأَخْطَارِ
فِي قَلْبِهَا حُبُّ الْحَيَاةِ طَلِيقَةً … لَكِنَّهَا تَخْشَى أَذَى الإِظْهَارِ
وَضَمِيرُهَا آناً فَآنا يُجْتَلَى … فَيَرَى كَمَا اقْتَدَحَ الزِّنَادَ الْوَارِي
عَرَفَا حَقِيقَتَهَا وَبَثَّا بَثَّهَا … ثِقَةً وَمَا كَانَا مِنَ الأَيْسَارِ
لَمْ يَلْبَثَا مُتَآزِرَيْنِ بِنِيَّةٍ … مَصْدُوقَةٍ فِي خُفْيَةٍ وَجِهَارِ
حَتَّى إِذَا مَا أَيْقَظَا إِيمانَهَا … وَوَرَت بَوَادِرُ مِنْ سَنىً وَشَرَارِ
أَبْدَتْ أَسَاهَا يَوْمَ فَارَقَ مُصْطَفى … هَذَا الْجِوَارَ وَرَامَ خَيْرَ جِوَارِ
يَوْمٌ رَأَى الرَّاؤُوْنَ مِنْ آيَاتِهِ … بِدْعاً يَرِيبُ السَّمْعُ فِي الإِخْبَارِ
أُخِذَ الأُوْلَى جَهِلُوا البِلاَدَ بِرَوْعَةٍ … لِجَلاَلِ ذَاكَ الْمَشْهَدِ الْكُبَّارِ
لَمْ يَحْسَبُوا فِي مِصْرَ عَبْداً شَاكِياً … فَي فَتْرَةِ التفكِيرِ وَالإِضْمَارِ
عَجَباً لَهُمْ مِنْ سَاكِنِي دَارٍ وَمَا … مِنْهُمْ بِمَا طُوِيَتْ عَلَيْه دَارِ
جَزِعُوا وَأَجْزَعَ بِامْرِيءٍ فِي مَأْمَنٍ … وَثَبَتْ عَلَيْهِ فُجَاءَةُ التَّزْآرِ
شَعْبٌ مَشَى وَالْحُزْنُ مِلْءُ نُفُوسِهِ … لَكِنَّ عِليِّينَ فِي اسْتِبْشَارِ
لَيْسَ الَّذِي حَمَلُوهُ وَفي أَعْوَادِهِمْ … مَيْتاً يُوَارِيهِ التُرَابَ مُوَارِ
كَلاَّ وَلاَ الخُشُبُ الَّتِي سَارُوا بِهَا … مَا خَيَّلَتْهُ أَعْيُنُ النُّظَّارِ
إِنْ ذَاكَ إِلاَّ العَهْدُ فِي تَابُوتهِ … عَهْدُ القَدِيرِ لِشَعْبِهِ الْمُخْتَارِ
رَفَعَتْهُ أَعْنَاقُ العِبَادِ وَزَفَّهُ … دَاوُدُ بَيْنَ الْجُنْدِ وَالأَحْبَارِ
مُتَرَقِّصاً وَهْوَ النَّبِيُّ مُعَالِجاً … وَهْوَ المَلِيكُ النَّفْخَ فِي المِزْمَارِ
أَنَّى يُقَالُ جِنَازَةٌ وَهْيَ الَّتِي … حَمَلَتْ لِقَوْمٍ آيَةَ الإِنْشَارِ
ذَهَب الرَّئِيسُ فَنِيط عِبْءُ مَقَامِه … بِالأَنْزَهِ الأَوْفَى مِنَ الأَنْصَارِ
أَفَرِيدُ هَذَا الشَّأْوُ قَدْ أَدْرَكْتَهُ … وَسَبَقتَ مَنْ جَارَاكَ فِي الْمِضمَارِ
فَتقاضَ أَضْعَافَ الَّذِي قَدَّمْتَهُ … وَاسْتَسْقِ صَوْتَ العَارِضِ المِدْرَارِ
إِنْ تَلْتَمِسْ جَاهاً أَصِبْ مَا تَشْتَهِي … مِنْ مَنْصِبٍ وَاذْخَرْ كُنُوزَ نُضارِ
وَالشَّرْقُ يَقْبَلُ قَدْ علِمْتَ مِنَ الأُولَى … يَتَمَحَّلُونَ غَرَائِبَ الأَعْذَارِ
أَلْشَّعْبُ شِبْهُ الْبَحْرِ لاَ تَأَمَنْ لَهُ … مَا أَمْنُ مُقْتَعِدٍ مُتُونَ بِحَارِ
فَغَداً وَيَا حَذَراً لِمِثْلِكَ مِنْ غَدٍ … قَدْ تَسْتَفِيقُ وَلاَتَ حِينَ حِذَارِ
يَسْلُو الأُولَى عَبَدُوكَ أَمْسِ وَرُبَماَ … كُوفِئْتَ مِنْ عُرْفٍ بِالاسْتِنْكَارِ
فَتَبِيتُ صِفْرَ يَدٍ وَكُنْتَ مَلِيَّهَا … وَتَذُوقُ كُلَّ مَرَارَةِ الإِقْتَارِ
لَكِنْ أَبَيْتَ العِرْضَ إِلاَّ سَالِماً … وإِنْ ابْتُلِيتَ بِشِقْوَةٍ وَضِرارِ
لَمْ تَعْتَقِدْ إِلاَّ الْوَلاءَ وَقَدْ أَبَى … لَكَ أَنْ تُلَبِّيَ دَاعِيَ الإِخْفارِ
وَسَمَوْتَ عَنْ أَنْ يَسْتَمِيلَكَ خَادِعٌ … بِالْمَنْصِبِ المُزْجَى أَوْ الدِّينارِ
فَظَلِلْتَ مَبْدَؤُكَ الْقَوِيمَ كَعَهْدِهِ … عِندَ الْوَفاءِ وَفَوْقَ الاسْتِئْثَارِ
تَزْدَادُ صِدْقَ عَزِيمَةٍ بِمِرَاسِهِ … وَرُسُوخَ إِيمَانٍ بِالاسْتِمْرَارِ
تَصِلُ العَشَايَا بِالْغَدَايَا جَاهِداً … وَمُجَاهِداً فِيهَا بِلاَ اسْتِقرَارِ
حَتَّى إِذَا أَيْقنْتَ أَنَّ الْقَوْلَ لاَ … يَعْلُو وَدُونَ الْحَقِّ طَوْقُ حِصَارِ
رُمْتَ الشُّخُوصَ إِلى شُعُوبٍ طَلْقَةٍ … تَرْثِي لِشَعْبٍ فِي أَسَى وَإِسَارِ
إِنَّ الْحُكُومَةَ قَدْ تُدَارِي مِثْلَهَا … وَالشَّعْبُ قَدْ يَأْبَى فلَيْسَ يُدَارِي
أَزْمَعْتَ تِلكَ الْهِجْرَةَ الأُولَى إِلى … إِنْجَاحِ قَصْدٍ أَوْ إِلى إِعْذارِ
فِي نُخبَةٍ مَهْمَا يُسَامُوا يَبْذُلُوا … لِذيَادَ مُجْتَاحٍ وَصَوْنِ ذِمَارِ
يَبْغُونَ دُسْتُورَاً يُوَطِّيءُ حُكْمُهُ … سُبُلَ الْجَلاَءِ لأَمْكَثِ الزُّوَّارِ
الْحُكْمُ شُورَى لاَ تَفَرُّدَ صَالِحٌ … فِي غَيْرِ حُكْمِ الْوَاحِد القَهَّارِ
وَالظُّلْمُ رِقُّ عَشِيرَةٍ لِعَشِيرَةٍ … بِقَضَاءِ جُنْدٍ عِنْدُهُا وَجَوَارِي
عَصْبُ الْجِوَارِ أَشَدُّ فِي أَيَّامِنَا … مَمَّا دَعَوْا قِدْماً بِسَبْيِ جَوَارِي
وَالعَدْلُ لَوْ فِي النَّاسِ عَدْلٌ لَمْ يَكُنْ … يَوْماً حَلِيفَ سِيَاسَةٍ اسْتِعْمَارِ
مُوسَى وَعِيسَى بَعْدَهُ وَمُحَمَّدٌ … فَرُّوا مِنَ الظُّلاَّمِ أَيَّ فِرارِ
بِالْهِجْرَة اتَّسَقَتْ لَهُمْ أَسْبَابُ مَا … أُوتُوهُ مِنْ نَقْضٍ وَمِنْ إِمْرَارِ
فِي كُلِّ مَا جَلَّ اجْتِماعاً شَأْنُهُ … شَفَعَتْ نَوَىً لِدُعَاتهِ الأَطْهَارِ
وَمِنَ ابْتِدَاءِ الدَّهْرِ أَعْلَتْ غُرْبَةٌ … كَلِمَ الثِّقَاتِ عَلَى قُوَى الفُجَّارِ
تِلْكَ العَوَامِلُ يَا فَرِيدُ هِي الَّتِي … لَبَّيْتَ دَعْوَتَهَا عَنِ اسْتِبْصَارِ
أَخْفَقْتَ فِي الأُوْلَى فَلَمْ تَكُ قَانِطاً … وَالنُّجْحُ تَدْرِي لاِمْرِئٍ نَظَّارِ
وَرَجَعْت تَرْقُبُ نَهْزَةً لَمْ تَتَّسِقْ … قَبْلاً وَلَمْ تَحْفِلْ بِقَوْلِ الزَّارِي
مُتَمَادِياً عَزْماً تَمَادَى أَرْوَعٍ … لاَ وَاهِنٍ يَوْماً وَلاَ خَوَّارِ
مَا إِنْ تُبَالِي سَاهِرَاً مُتَرَصِّدَاً … يَرْنُو إِلَيْكَ بِمُقْلَةٍ الْغَدَارِ
يَجْنِي عَلَيْكَ لِغَيْرِ ذَنْبٍ باغِياً … وَالْبَغْيُ جَنَّاءٌ عَلَى الأَطْهَارِ
مَنْ كَانَ جَارُ السُّوءِ يَوْمَاً جَارَهُ … عُدَّتْ فَضَائِلُهُ مِنَ الأَوْزَارِ
قُلْ لِلرَّئِيسِ إِذَا مَرَرْتَ بِسِجْنِهِ … إِنَّ السُّجُونَ مَعاهِدُ الأَحْرارِ
وَافَيْتَهُ طَوْعاً وَرَأُيكَ ثَابِتٌ … أَنَّ اعْتِقَالَكَ مُطْلَقُ الأَفْكَارِ
إِنْ يَحْجِبُوكَ فَإِنَّ فِكْرَكَ رافِعٌ … نُوراً تُضَاءُ بِهِ سَبِيلُ السَّارِي
كَمْ تَحْجُبُ الظُّلُمَاتُ طَوْداً شَامِخَاً … فَيَلُوحُ فَوْقَ ذُراهُ ضَوْءُ مَنَارِ
إِنَّا لَنَسْمَعُ مِنْ سُكُوتِكَ حِكْمَةً … وَنَرَى هُدىً فِي وَجْهِكَ المُتَوارِي
وَإِذَا النُّفُوسُ تَجَرَّدَتْ لِمَرَامِهَا … غَنِيتْ عَنِ الأَسْمَاعِ وَالأَبْصَارِ
حَاشَاك أَنْ تَأْسَى وَهَلْ نَأْسَي عَلَى … عِلْمٍ بِأَنَّ التَّمَّ بَعْدَ سِرَارِ
أَلأَنْبِياءُ انْتَابَهُمْ زَمَنٌ بِهِ … لَزِمُوا التَّفَرُّدَ عَنْ رِضىً وَخِيَارِ
لَجَأُوا إِلى الْخَلَوَاتِ وَاحْتَبَسُوا بِهَا … شَظِفي المَعَايِشِ لاَبِسِي الأَطْمَارِ
مُسْتَجْمِعِينَ مُرَوِّضِينَ قُلُوبَهُمْ … لِقِيَامِ دَعْوَتِهِمْ عَلَى الأَخْطَارِ
وَمِنَ الغِيَابَاتِ الَّتي أَمْسُوا بِهَا … بَعَثُوا الْهُدَى كَالشَّمْسِ فِي الإِزْهَارِ
سَلْ مُوحِشاً فِي طُورِسيِنَا سَامِعاً … كَلِمَ المُهَيْمِنِ فِي اصْطِعَاقِ النَّارِ
سَلْ طَيْفَ جُلْجُلَةٍ وَقَدْ تَرَكَ الطَّوَى … مِنْهُ ضِيَاءً فِي بَيَاضِ إِزَارِ
سَلْ خَالِياً بِحَرَى يُلَبِّي رَبَّهُ … فِي الغَارِ عَمَّا نَابَهُ فِي الغَارِ
بِالْعُزْلَةِ اكْتَمَلُوا وَرُبُّ مُرَوِّضٍ … لِلنَّفْسِ حَرَّرَهَا بِالاسْتئْسَارِ
لاَ شَيءَ أَبْلَغَ بِالدُّعَاة إِلى المُنَى … مِنْ أَنْ تمَحِّصُهُمْ يَدُ الْمِقْدَارِ
لَمْ يَكْفِهِ مَا كَانَ حَتَّى جَاءَهُ … مَا فَوْقَ غَلِّ الْجِيدِ وَالإِحْصَارِ
أَلنَّفْيُ بَعْدَ السَّجْنِ تِلْكَ عُقُوبَةٌ … أَعْلَى وَأَغْلَى صَفْقَةً للشَّارِي
يَسْمُوا بِهَا السَّجْنُ الْقَرِيبُ جِدَارُه … شَرَفاً إِلى سِجْنٍ بِغَيْرِ جِدَارِ
لاَ يَتْرُكُ الْجَارِي عَلَيْهِ حُكْمَهُ … إِلاَّ لِيُدْرِكَهُ الْقَضَاءُ الْجَارِي
أَيَّ السَّفَائِنِ يَسْتقِلُّ كَأَنَّهَا … إِحْدَى الْمَدَائِنِ سُيِّرَتْ بِبُخارِ
يَنأَى بِهَا عنْ أَهْلِهِ وَرِفَاقِهِ … دَامِي الْفُؤادِ وَشِيكُ الاسْتِعْبَارِ
يَنْبُو ذَرَا الْبَلَدِ الأَمِيْنِ بِمِثْلِهِ … وَالزَّاحِفَاتُ أَمِيْنَةُ الأَجْحَارِ
مُتَلَفِّتاً حِيْنَ الْوَدَاعِ وَفِي الْحَشَى … مَا فِيهِ مِنْ غُصَصٍ وَمِنْ أَكْدَارِ
تَتَغَيَّبُ الأَوْطَانُ عَنْ جُثْمَانِهِ … وَالْقَلْبُ يَشْهَدُهَا بِالاسْتِحْضَارِ
مُتَشَبِّعَاً مُترَوِّيَاً مِمَّا يَرَى … لِشِفاءِ مَسْغَبَةٍ بِهِ وَأُوَارِ
يَرْنُو إِلى صُفْرِ الشَّوَاطِيءِ نُطِقَتْ … أَعْطَافُهَا بِالأَزْرَقِ الزَّخَّارِ
وَيَذُوبُ قَبْلَ الْبَيْنِ مِنْ شَوْقٍ إِلى … وَجْهِ الْحِمَى وَجَمَالهِ السَّحَّارِ
يَسْتَافُ مَا تَأْتِي الصَّبَا بِفُضُوله … مِنْ طِيبِ تِلْكَ الْجَنَّةِ الْمِعْطَارِ
وَبِسَمْعِه لَحْنُ الْعَشيرَةِ جَامِعَاً … لُغَةَ الأَنِيسِ إِلى لُغَى الأَطْيَارِ
لَهْفِي عَلَيْهِ مُشَرَّداً قَبْلَ الرَّدَى … سَيَهِيمُ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ قَرَارِ
مِنْ أَجْلِ مِصْرَ يَؤُمُّ كُلَّ مُيَمَّمٍ … فِي قَوْمِه وَيَزُورُ كُلَّ مَزَارِ
لاَ يَوْمَ يَسْكُنُ فِيهِ مِنْ وََْثبٍ وَمَنْ … بِسَكِينَةٍ لِلْكَوْكبِ السَّيَّارِ
فِي غُرْبَةٍ مَوْصُولَةٍ آلامُهَا … أَنْضَتْهُ فِي الرَّحَلاَتِ وَالأَسْفَارِ
تَنْتَابُهُ الصَّدَمَاتُ لاَ يَشْكو لَهَا … إِلاَّ شَكَاةَ المِحْرَبِ الْكَرَّارِ
ثِقَةً بَأَنَّ الْفَوْزَ لَيْسَ لِجَازِعٍ … فِي الْعَالَمِينَ الْفَوْزُ لِلصَّبَّارِ
وَتَعَضُّهُ الفَاقَاتُ لاَ يَلْوِي بِهَا … عِزَّاً وَيَسْتُرُهَا بِسِتْرِ وَقَارِ
حِرْصاً عَلَى المُتَطَوِّلِينَ بِفَضْلِهِمْ … أَنْ يَجْنَحُوا وَجَلاً إِلى الإِقْصَارِ
مَا كَانَ أَظْفَرَهُ بِأَلْيَنِ جَانِبٍ … لِلْعَيْشِ لَوْلاَ شِدَّةُ الإِصْرَارِ
مَا كَانَ هذَا الْحَدَّ حَدَّ عَذَابِهِ … تُرْدِي الأُسُودَ ضَرُورَةُ الإِخْدَارِ
صَالَ الشَّقَاءُ عَلَى فَرِيدٍ صَوْلةً … بَيْنَ الْجَوَانِحِ أَنْذَرَتْ بِدَمَارِ
قَصُرَتْ لَيَاليهِ عَلَى مَجْهُوِدِه … وَالْيَوْمَ عُدْنَ عَلَيْهِ غَيْرَ قِصَارِ
مَا بَالُ ذَاكَ الْوَجْهِ بَعْدَ توَردٍ … خَلَعَ النّضَارَة وَاكْتَسَى بِبَهَارِ
مَا بَالُ ذَاكَ الْجِسْمِ بَاتَ مِنَ الضَّنَى … كَالرَّسْمِ فِي جُرْفٍ بِهِ مُنْهَارِ
مَا بَالُ ذَاكَ العَزْمِ بَعْدَ مَضَائِهِ … عَثَرَتْ بِهِ العِلاَّتُ كُلَّ عِثَارِ
مَا بَالُ ذَاكَ القَلْبِ بَعْدَ خُفُوقِهِ … تَنْتَابُهُ هَدَآتُ الاِسْتِقْرَارِ
أَمْسَى يُعَاِلجُ سَكْرَةً فِِي نَزْعِهِ … مَنْ لَم يَذُقْ فِي الْعُمْرِ طَعْمَ عُقَارِ
وَلَوِ اسْتَطاعَ لَمَا أَضَاعَ دَقِيقَةً … يَمْضِي الزَّمَانُ بِهَا مُضِيَّ خَسَارِ
وَفَّى بِمَا أَعْطاهُ حَقَّ بِلاَدِهِ … وَالمَوْهَبَاتُ تُرَدُّ رَدَّ عَوَارِي
أَمَكَانُهُ هَذا أَتِلْكَ حُلِيُّهُ … وَالبَيْتُ خالٍ وَالمُقَلَّدُ عَارِي
أَكَذَاكَ يَخْتِمُ فِي الشَّقَاءِ حَيَاتَهُ … مَنْ كَانَ جَمَّ الْجَاهِ وَالإِيسَارِ
مَاذَا تَفِي مِنْ حَقِّهِ بَعْدَ الَّذِي … عَانَاه كُلُّ قَلاَئِدِ الأَشْعَارِ
إِنَّ الَّذِي يَبْلُوهُ شَارِي قَوْمِهِ … غَيْرُ الَّذِي نَتْلُوهُ فِي الأَسْطَارِ
مَاتَ الرَّئِيس فَصَارَ كُلَّ مَسِيرَةٍ … ذَاكَ النَّعِيَّ وَطَارَ كُلّ مَطَارِ
مَاتَ العِصَامِيُّ العِظَاميُّ الَّذِي … مَا كَانَ بِالْعَاتِي وَلا الْجَبَّارِ
مَاتَ الذِي مَارَى سِوَاهُ فِي الْهَوَى … يَوْمَ الْحِفَاظِ وَعَاشَ غَيْرِ مُمَارِ
أَقْرِرْ مَقَامَكَ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّه … لَنَتِيجَةٌ مِنْ ذَلِكَ الإِقْرَارِ
فَإِذَا سَمَوْتَ بِهِ تَقَلَّدَ أَنْجُماً … وَإِذَا دَنَوْتَ بِهِ اكْتَسَى بِغُبَارِ
وَإِذَا غَنِيتَ بِهِ تَفَكَّهَ بِالْعُلاَ … وَإِذَا افْتَقَرْتَ بِهِ اكْتَفَى بِقَفَارِ
وَأَعَزُّ مَا تَقْضِي لِنَفْسِكَ حَاصِلٌ … لَكَ إِنْ تُؤَدِّ الحَقَّ بالمِعْيارِ
أَلْوَاجِبَاتُ أَسًىً وَشَقُّ مَرَائِرٍ … لكِنَّ فِيهَا الشُّهْدَ لِلْمُشْتَارِ
غَيْرُ الزَّمُوعِ يَهُبُّ مُضْطَلِعاً بِمَا … تُوحِي وَغَيْرُ الأَضْرَعِ الْثَّرْثَارِ
للَّهِ مَجْدُ الذَّائِقِينَ عَذَابَهَا … وَوَقَارُ مَنْ نَهَكَتْهُ بِالأَوْقَارِ
أَيُّ الفَخَارِ فَخَارُ مَنْ قَحَمَ الشَّرَى … فَحَمَى الْحَقِيقَةَ وَالْخُطُوبُ ضَوَارِ
سَيْفُ القَضَاءِ وَقَدْ أَصَابَ مُحَمَّداً … نَالَ الْوَفَاءَ بِحَدِّهِ البَتَّارِ
أَعَمَايَةٌ لاَ لاَ وَلِكنْ حِكْمَةٌ … ثَبُتَتْ بِمُتَّصِلٍ مِنَ التَّكْرَارِ
يَدْعُو الشَّهِيدُ الأَلْفَ مِنْ أَمْثَالِهِ … وَبِهِمْ يَتِمُّ تَقَلُّبُ الأَطْوَارِ
يَا أَيًّهَا الْقَتْلى سَقَى أَجْدَاثَكُمْ … فَضْلُ المُثِيبِ وَرَحْمَةُ الغَفَّارِ
إِنَّا لَنَبْكِي كُلَّ ثَاوٍ هَامِدٍ … مِنْكُمْ بِأَكْبَادٍ عَلَيْهِ حِرَارِ
أَلْعَرْشُ عَرْشُ الْحَقِّ يَزكُو حَالِياً … بِدَمٍ عَلَيْهِ لِلشَّهَادَةِ جَارِي
وَالأَرْضُ إِذْ تُسْقَى نَجِيعَ بَرَاءَةٍ … تُزْهَى وَيَأْخُذُهَا اهْتِزَازُ خُمَارِ
زَهْوَ العَرُوسِ غَلاَ نِظَامُ حُلِيِّهَا … وَتَبَرَّجَتْ طُرُقَاتُهَا بِنِثَارِ
أَعْزِزْ بِأَنْفسِكْم فَمَا هِيَ أَنْفسٌ … مَسْفوكَةٌ فِي التّربِ سَفْكَ جُبَارِ
فِي كُلِّ مَوْقِعِ مُهْجَةٍ مِنْكُمْ جَرَتْ … أَزْكَى وَأَخْصَبُ مَوِقْعٍ لِبَذَارِ
إِنَّا لَنَعْرِفُ قَدْرَهَا وَهْيَ الَّتِي … جَعَلَتْ لَنَا قَدْراً مِنَ الأَقْدَارِ
وَنُجِلُّهَا أَبَداً بِذِكْرَى أَنَها … صَانَتْ حَقِيقَتنا مِنَ الإِحْقارِ
زَادَتْ جَمَالَ النيلِ فِي أَبْصَارِنا … وَحُلى النخِيعِ وَبَهْجَةَ النوَّارِ
وَسَرَى إِلى الأَرْوَاحِ مِن أَرْوَاحِهَا … عَبَقٌ ذَكا كَتَارُّجِ الأَزْهَارِ
وَكَأَنَّهَا بِلطَافَة عُلْويَّةٍ … زَانَتْ لَنَا مُتَفَيَّأَ الأَشْجَارِ
وَفْدَ الْحِمَى مِنْ قَادَةٍ وَأُولِي نُهىً … فَوْقَ التَّصَارِيفِ الكِبَارِ كِبَارِ
أَرْشِدْ بِكُمْ مُسْتَطْلِعِينَ لِشَأْنِكُمْ … فِي الْغَرْبِ كُلَّ مَطَالعِ الأَنْوَارِ
هُزَّتْ مَنَابِرُهُ بِعَالِي صَوْتِكُمْ … وَأُثِيرَ فِيهِ الرَّأْيُ كُلَّ مَثَارِ
سَالَتْ عُيُونُ بَيَانِكُمْ فِي صُحْفِهِ … فَمَلأْنَهَا وَجَرَيْنَ بِالأَنْهَارِ
وَبَدَتْ لِمِصْرَ بِهِ بَوَادِرُ حِكْمَةٍ … سَبَتِ الْعُقُولَ بِآيِهَا الأَبْكَارِ
إِنْ أَنْكَرَ الْعَادُونَ مَا وَصِمْوا بِهِ … هَلْ تَطْهُرُ الْوَصَمَاتُ بِالإِنْكَارِ
أَوْ أَهْجَرُوا قَوْلاً لِكُلِّ مُهَذَّبٍ … مِنْكُمْ فَبَعْضُ المَدْحِ فِي الإِهْجَارِ
أَفَرِيدُ أَعْظِمْ بالَّذِي هَيَّأْتَهُ … لِعَشِيرَةٍ فَدَّيْتَهَا وَدِيَارِ
نَمْ إِن مصْراً عنْكَ رَاضِيَةٌ وَفُزْ … مِنْ شُكْرِهَا بِمَثُوبَةِ الأَخْيَار
أَوْشَكْتُ أَجْزَعُ فانْتهَيْتُ بِأَنَّني … آنَسْتُ فِيكَ مَشِيئَةً لِلبَارِي