أَغرى بِهِ الشَوقُ لَيلَ الساهِرِ الرَمِدِ – صريع الغواني

أَغرى بِهِ الشَوقُ لَيلَ الساهِرِ الرَمِدِ … وَنَظرَةٌ وَكَّلَت عَينَيهِ بِالسُهُدِ

أَمُنقَضٍ عَنهُ حُزنٌ ما يُفارِقُهُ … أَقامَ بَينَ الحَشى بِالسُقمِ وَالكَمَدِ

أَم لَيسَ ناسِيَ أَيّامٍ لَهُ سَلَفَت … جَرَت عَلَيهِ بِلَذّاتٍ فَلَم تَعُدِ

أَحيا البُكا لَيلَهُ حَتّى إِذا تَلِفَت … نَفسُ الدُجى وَاِستَنارَ الصُبحُ كَالوَقَدِ

غادى الشَمولَ فَعاطَتهُ سَمادِرُها … طَيفاً بِهِ أَلَّفَت روحاً إِلى جَسَدِ

كَأَنَّها وَسِنانُ الماءِ يَقتُلُها … عَقيقَةٌ ضَحِكَت في عارِضٍ بَرِدِ

حَتّى إِذا الراحُ قامَت عَنهُ فَترَتُها … ريعَ الكَرى وَأَقامَت حَسرَةُ الخَلَدِ

يَكادُ يُسليهِ مَرُّ الحادِثاتِ بِهِ … لَولا بَقايا دَواعي قَلبِهِ الكَمِدِ

لَو ساعَفَ الدَهرُ لَاِرتَدَّت غَضارَتُهُ … وَلَاِستَرَدَّ مَوَدّاتِ المَها الخُرُدِ

ماذا تَراءى لَهُ نَأيُ الخَليطِ بِهِ … غَداةَ يَحمَدُ لَمّا أَو يَذُمُّ قَدِ

لِلَّهِ دَرُّ اللَواتي عِفنَ مَكرَعَهُ … حَتّى صَدَرنَ بِهِ ظَمآنَ لَم يَرِدِ

خافَ العُيونَ وَضَمَّتهُ عَزيمَتُهُ … إِلى اِمتِناعٍ عَلى جَولانَ مُطَّرِدِ

وَرُحنَ وَالعَينُ لِلتَّوديعِ واكِفَةٌ … إِنسانُها مِن مَسيلِ الدَمعِ في صُعُدِ

بِاللَهِ أُخلِفُ ما أَتلَفتُ مِن نَشبٍ … وَعادَةُ الجودِ في أَبياتِيَ الشُرُدِ

تَهوى بِأَشعَثَ أَعطاهُ المُنى أَمَلٌ … وَعُقدَةٌ مِن رَجاءٍ ضامِنِ العُقَدِ

فَاِستَودَعَتهُ بُطونَ البيدِ هِمَّتُهُ … وَأَودَعَتهُ السُرى في الوَعثِ وَالجَدَدِ

حَتّى إِذا قَبَضَ الإِدلاجُ بَسطَتَها … وَوُقِّفَت مِن مُنى الساري عَلى أَمَدِ

تَمَخَّضَت عَنهُ تِمّاً بَعدَ مَحمَلِهِ … شَهرَينِ بَيداءُ لَم تُضرَب وَلَم تَلِدِ

أَلقَتهُ كَالنَصلِ مَعطوفاً عَلى هِمَمٍ … يَعمَدنَ مُنتَجِعاتٍ خَيرَ مُعتَمِدِ

تَخَطَّأَت نَومَهُ عَنهُ وَشايَعَهُ … دَأبُ الجَديدَينِ وَالعيدِيَّةِ الوُخُدِ

حاشى لِطالِبِ عُرفٍ أَن يَخيبَ عَلى … نَدى يَدَيكَ وَلَو حاشاكَ لَم يَجِدِ

ظُنونُ راجي الَّذي يَرجوكَ واثِقَةٌ … أَلّا يُخَيَّبَ فيها آخِرَ الأَبَدِ

تَأتى عَطاياهُ شَتّى غَيرَ واحِدَةٍ … مُؤَمِّليهِ وَإِن كانوا عَلى بَعدِ

كَحَملَةِ السَيلِ تَأتي بَعدَ عاشِرَةٍ … لَهُ قَراقيرُ بِالآذِيِّ وَالزَبَدِ

لا يَمنَعُ العُرفُ مِن إِلحاحِ طالِبِهِ … وَلا يُقَرِّبُ مِنهُ رِفقُ مُتَّئِدِ

يَبِرُّ بِالجودِ يَحميهِ وَيَكلَؤُهُ … كَأَنَّهُ والِدٌ يَحنو عَلى وَلَدِ

أَغنى الصَديقَ فَعاشوا مِنهُ في رَغَدٍ … وَاِستَلَّ جودُ يَدَيهِ غِلَّ ذي الحَسَدِ

مُعَقِّرُ الكُومِ لِلأَضيافِ لَيسَ لَها … إِلّا المَكارِمَ مِن ذي عَقلٍ وَلا قَوَدِ

تَأتي البُدورُ فَتُفنيها صَنائِعُهُ … وَما يُدَنَّسُ فيها كَفُّ مُنتَقِدِ

لا يَعرِفُ المالَ إِلّا عِندَ سائِلِهِ … أَو يَومَ يَجمَعُهُ لِلنَهبِ وَالبَدَدِ