أَديري عَلى الراحِ ساقِيَةَ الخَمرِ – صريع الغواني

أَديري عَلى الراحِ ساقِيَةَ الخَمرِ … وَلا تَسأَليني وَاِسأَلي الكَأسَ عَن أَمري

كَأَنَّكِ بي قَد أَظهَرَت مُضمَرَ الحَشا … لَكِ الكَأسُ حَتّى أَطلَعَتكِ عَلى سِرّي

وَقَد كُنتُ أَقلى الراحَ أَن يَستَفِزَّني … فَتَنطِقَ كَأسٌ عَن لِساني وَلا أَدري

وَلَكِنَّني أَعطَيتُ مِقوَدِيَ الصِبى … فَقادَ بَناتِ اللَهوِ مَخلوعَةَ العُذرِ

إِذا شِئتُ غاداني صُبوحٌ مِنَ الهَوى … وَإِن شِئتُ ماساني غُبوقٌ مِنَ الخَمرِ

ذَهَبتُ وَلَم أُحَدِد بِعَينِيَ نَظرَةً … وَأَيقَنتُ أَنَّ العَينَ هاتِكَةٌ سِتري

جَعَلنا عَلاماتِ المَوَدَّةِ بَينَنا … مَصايِدَ لَحظٍ هُنَّ أَخفى مِنَ السِحرِ

فَأَعرِفُ مِنها الوَصلَ في لينِ طَرفِها … وَأَعرِفُ مِنها الهَجرَ بِالنَظَرِ الشَزرِ

وَفي كُلِّ يَومٍ خَشيَةٌ مِن صُدودِها … أَبيتُ عَلى ذَنبٍ وَأَغدو عَلى عُذرِ

وَمُلتَطِمُ الأَمواجِ يَرمي عُبابُهُ … بِجَرجَرَةِ الآذِيِّ لِلعِبرِ فَالعِبرِ

مُطَعَّمَةٍ حِيتانُهُ ما يُغِبُّها … مَآكِلُ زادٍ مِن غَريقٍ وَمِن كَسرِ

إِذا اِعتَنَقَت فيهِ الجَنوبُ تَكَفَّأَت … جَواريهِ أَو قامَت مَعَ الريحِ لا تَجري

كَأَنَّ مَدَبَّ المَوجِ في جَنَباتِها … مَدَبُّ الصَبا بَينَ الوِعاثِ مِنَ العُفرِ

كَشَفتُ أَهاويلَ الدُجى عَن مَهولِهِ … بِجارِيَةٍ مَحمولَةٍ حامِلٍ بِكرِ

لَطَمتُ بِخَدَّيها الحَبابُ فَأَصبَحَت … مُوَقَّفَةَ الداياتِ مَرتومَةَ النَحرِ

إِذا أَقبَلَت راعَت بِقُنَّةِ قَرهَبٍ … وَإِن أَدبَرَت راقَت بِقادِمَتَي نَسرِ

تَجافى بِها النوتيُّ حَتّى كَأَنَّما … يَسيرُ مِنَ الإِشفاقِ في جَبَلٍ وَعرِ

تَجَلَّجُ عَن وَجهِ الحَبابِ كَما اِنثَنَت … مُخَبَّأَةٌ مِن كِسرِ سِترٍ إِلى سِترِ

أَطَلَّت بِمِجذافينِ يَعتوِرانِها … وَقَوَّمَها كَبحُ اللِجامِ مِنَ الدُبرِ

فَحامَت قَليلاً ثُمَّ مَرَّت كَأَنَّها … عُقابٌ تَدَلَّت مِن هَواءٍ عَلى وَكرِ

أَنافَ بِهاديها وَمَدَّ زِمامَها … شَديدُ عِلاجِ الكَفِّ مُعتَمِلُ الظَهرِ

إِذا ما عَصَت أَرخى الجَريرُ لِرَأسِها … فَمَلَّكَها عِصيانَها وَهيَ لا تَدري

كَأَنَّ الصَبا تَحكي بِها حينَ واجَهَت … نَسيمَ الصَبا مَشيَ العَروسِ إِلى الخِدرِ

يَمَمنا بِها لَيلَ التِمامِ لِأَربَعٍ … فَجاءَت لِسِتٍّ قَد بَقينَ مِنَ الشَهرِ

فَما بَلَغَت حَتّى اِطِّلاحِ خَفيرِها … وَحَتّى أَتَت لَونَ اللِحا مِنَ القِشرِ

وَحَتّى عَلاها المَوجُ في جَنَباتِها … بِأَردِيَةٍ مِن نَسجِ طُحلُبِهِ خُضرِ

رَمَت بِالكَرى أَهوالُها عَن عُيونِهِم … فَباتَت أَهاويلُ السُرى بِهِمُ تَسري

تَوُمُّ مَحَلَّ الراغِبينَ وَحَيثُ لا … تُذادُ إِذا حَلَّت بِهِ أَرجُلُ السَفرِ

رَكِبنا إِلَيهِ البَحرَ في مُؤخِراتِهِ … فَأَوفَت بِنا مِن بَعدِ بَحرٍ إِلى بَحرِ