أمٌّ يكيدٌ لها من نسلها العقبُ – مصطفى صادق الرافعي
أمٌّ يكيدٌ لها من نسلها العقبُ … ولا نقيضةٌ إلا ما جنى النسبُ
كانتْ لهمْ سبباً في كلِّ مكرمةٍ … وهم لنكبتها من دهرها سببُ
لا عيبَ في العربِ العرباءِ إن نطقوا … بينَ الأعاجمِ إلا أبهم عربُ
والطيرُ تصدحُ شتَّى كالأنامِ وما … عندَ العرابِ يزكى البلبلُ الطربُ
أتى عليها طوالَ الدهرِ ناصعةً … كطلعةِ الشمسِ لم تعلق بها الريبُ
ثمَّ استفاضتْ دياجٍ في جوانبها … كالبدرِ قد طمستْ من نورهِ السحبُ
ثم استضاءتْ فقالوا الفجرُ يعقبهُ … صبحٌ فكَانَ ولكن فجرها كذبُ
ثم اختفتْ وعلينا الشمسُ شاهدةٌ … كأنها جمرةٌ في الجوِّ تلتهبُ
سلوا الكواكبَ كم جيلٍ تداولها … ولم تزلْ نيّراتٍ هذهِ الشهبُ
وسائلوا الناسَ كم في الأرضِ من لغةٍ … قديمةٍ جدّدتْ من زهوها الحقبُ
ونحنُ في عجبٍ يلهو الزمانُ بنا … لم نعتبرْ ولبئسَ الشيمةَ العجبُ
إن الأمورَ لمن قد باتَ يطلبها … فكيفَ تبقى إذا طلابها ذهبوا
كانَ الزمانُ لنا واللسنُ جامعةٌ … فقد غدونا لهُ والأمرُ ينقلبُ
وكانَ من قلبنا يرجوننا خلفاً … فاليومَ لو نظروا من بعدهم ندبوا
أنتركُ الغربَ يلهينا بزخرفهِ … ومشرقُ الشمسِ يبكينا وينتحبُ
وعندنا نهرٌ عذبٌ لشاربهِ … فكيفَ نتركهُ في البحرِ ينسربُ
وأيما لغةٍ تنسي امرأً لغةً … فإنها نكبةٌ من فيهِ تنسكبُ
لكم بقى القولُ في ظلِّ القصورِ على … أيامُ كانتْ خيامُ البيدِ والطنبِ
والشمسُ تلفحهُ والريحُ تنفحهُ … والظلُّ يعوزهُ والماءُ والعشبُ
أرى نفوسَ الورى شتى وقيمتها … عندي تأثُّرها لا العزُّ والرتبُ
ألم ترَ الحطبَ استعلى فصارَ لظىً … لما تأثرَ من مسِّ اللظى الحطبُ
فهل نضيعُ ما أبقى الزمانُ لنا … وننفضُ الكفَّ لا مجدٌ ولا حسبُ
إنَّا إذاً سبةٌ في الشرقِ فاضحةٌ … والشرقُ منا وإن كنا به خربُ
هيهاتَ ينفعُنا هذا الصياحُ فما … يجدي الجبانُ إذا روَّعته الصخَبُ
ومنْ يكنْ عاجزاً عن دفعِ نائبةٍ … فقصرُ ذلكَ أن تلقاهُ يحتسبُ
إذا اللغاتُ ازدهرت يوماًفقد ضمنتْ … للعُرْب أي فخارٍ بينها الكتبُ
وفي المعادنِ ما تمضي برونقهِ … يدُ الصدا غير أن لايصدأ الذهبُ