ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ – جميل بثينة

ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ … ودهراً تولى ، يا بثينَ، يعودُ

فنبقى كما كنّا نكونُ، وأنتمُ … قريبٌ وإذ ما تبذلينَ زهيدُ

وما أنسَ، مِ الأشياء، لا أنسَ قولها … وقد قُرّبتْ نُضْوِي: أمصرَ تريدُ؟

ولا قولَها: لولا العيونُ التي ترى ، … لزُرتُكَ، فاعذُرْني، فدَتكَ جُدودُ

خليلي، ما ألقى من الوجدِ باطنٌ … ودمعي بما أخفيَ، الغداة َ، شهيدُ

ألا قد أرى ، واللهِ أنْ ربّ عبرة ٍ … إذا الدار شطّتْ بيننا، ستَزيد

إذا قلتُ: ما بي يا بثينة ُ قاتِلي، … من الحبّ، قالت: ثابتٌ، ويزيدُ

وإن قلتُ: رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ … تولّتْ وقالتْ: ذاكَ منكَ بعيد

فلا أنا مردودٌ بما جئتُ طالباً، … ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ

جزتكَ الجواري، يا بثينَ، سلامة ً … إذا ما خليلٌ بانَ وهو حميد

وقلتُ لها، بيني وبينكِ، فاعلمي … من الله ميثاقٌ له وعُهود

وقد كان حُبّيكُمْ طريفاً وتالداً، … وما الحبُّ إلاّ طارفٌ وتليدُ

وإنّ عَرُوضَ الوصلِ بيني وبينها، … وإنْ سَهّلَتْهُ بالمنى ، لكؤود

وأفنيتُ عُمري بانتظاريَ وَعدها، … وأبليتُ فيها الدهرَ وهو جديد

فليتَ وشاة َ الناسِ، بيني وبينها … يدوفُ لهم سُمّاً طماطمُ سُود

وليتهمُ، في كلّ مُمسًى وشارقٍ، … تُضاعَفُ أكبالٌ لهم وقيود

ويحسَب نِسوانٌ من الجهلِ أنّني … إذا جئتُ، إياهنَّ كنتُ أريدُ

فأقسمُ طرفي بينهنّ فيستوي … وفي الصّدْرِ بَوْنٌ بينهنّ بعيدُ

ألا ليتَ شعري، هلَ أبيتنّ ليلة ً … بوادي القُرى ؟ إني إذَنْ لَسعيد

وهل أهبِطَنْ أرضاً تظَلُّ رياحُها … لها بالثنايا القاوياتِ وئِيدُ؟

وهل ألقينْ سعدى من الدهرِ مرة ً … وما رثّ من حَبلِ الصّفاءِ جديدُ؟

وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرقٍ … وقد تُدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيد

وهل أزجرنْ حرفاً علاة ً شملة ً … بخرقٍ تباريها سواهمُ قودُ

على ظهرِ مرهوبٍ، كأنّ نشوزَهُ، … إذا جاز هُلاّكُ الطريق، رُقُود

سبتني بعيني جؤذرٍ وسطَ ربربٍ … وصدرٌ كفاثورِ اللجينَ جيدُ

تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها … مُباهِية ٌ، طيَّ الوشاحِ، مَيود

إذا جئتُها، يوماً من الدهرِ، زائراً، … تعرّضَ منفوضُ اليدينِ، صَدود

يصُدّ ويُغضي عن هواي، ويجتني … ذنوباً عليها، إنّه لعَنود

فأصرِمُها خَوفاً، كأني مُجانِبٌ، … ويغفلُ عن مرة ً فنعودُ

ومن يُعطَ في الدنيا قريناً كمِثلِها، … فذلكَ في عيشِ الحياة ِ رشيدُ

يموتُ الْهوى مني إذا ما لقِيتُها، … ويحيا، إذا فرقتها، فيعودُ

يقولون: جاهِدْ يا جميلُ، بغَزوة ٍ، … وأيّ جهادٍ، غيرهنّ، أريدُ

لكلّ حديثِ بينهنّ بشاشة ُ … وكلُّ قتيلٍ عندهنّ شهيدُ

وأحسنُ أيامي، وأبهجُ عِيشَتي، … إذا هِيجَ بي يوماً وهُنّ قُعود

تذكرتُ ليلى ، فالفؤادُ عميدُ، … وشطتْ نواها، فالمزارُ بعيدُ

علقتُ الهوى منها وليداً، فلم يزلْ … إلى اليومِ ينمي حبه ويزيدُ

فما ذُكِرَ الخُلاّنُ إلاّ ذكرتُها، … ولا البُخلُ إلاّ قلتُ سوف تجود

إذا فكرتْ قالت: قد أدركتُ ودهُ … وما ضرّني بُخلي، فكيف أجود

فلو تُكشَفُ الأحشاءُ صودِف تحتها، … لبثنة َ حبُ طارفٌ وتليدُ

ألمْ تعلمي يا أمُ ذي الودعِ أنني … أُضاحكُ ذِكراكُمْ، وأنتِ صَلود؟

فهلْ ألقينْ فرداً بثينة َ ليلة ً … تجودُ لنا من وُدّها ونجود؟

ومن كان في حبي بُثينة َ يَمتري، … فبرقاءُ ذي ضالٍ عليّ شهيدُ