ألا كل ماشية الخيزلى – المتنبي

ألا كُلُّ مَاشِيَةِ الخَيْزَلَى … فِدَى كلِّ ماشِيَةِ الهَيْذَبَى

وَكُلِّ نَجَاةٍ بُجَاوِيَّةٍ … خَنُوفٍ وَمَا بيَ حُسنُ المِشَى

وَلَكِنّهُنّ حِبَالُ الحَيَاةِ … وَكَيدُ العُداةِ وَمَيْطُ الأذَى

ضرَبْتُ بهَا التّيهَ ضَرْبَ القِمَا … رِ إمّا لهَذا وَإمّا لِذا

إذا فَزِعَتْ قَدّمَتْهَا الجِيَادُ … وَبِيضُ السّيُوفِ وَسُمْرُ القَنَا

فَمَرّتْ بِنَخْلٍ وَفي رَكْبِهَا … عَنِ العَالَمِينَ وَعَنْهُ غِنَى

وَأمْسَتْ تُخَيّرُنَا بِالنّقا … بِ وَادي المِيَاهِ وَوَادي القُرَى

وَقُلْنَا لهَا أينَ أرْضُ العِراقِ … فَقَالَتْ وَنحنُ بِتُرْبَانَ هَا

وَهَبّتْ بِحِسْمَى هُبُوبَ الدَّبُو … رِ مُستَقْبِلاتٍ مَهَبَّ الصَّبَا

رَوَامي الكِفَافِ وَكِبْدِ الوِهَادِ … وَجَارِ البُوَيْرَةِ وَادي الغَضَى

وَجَابَتْ بُسَيْطَةَ جَوْبَ الرِّدَا … ءِ بَينَ النّعَامِ وَبَينَ المَهَا

إلى عُقْدَةِ الجَوْفِ حتى شَفَتْ … بمَاءِ الجُرَاوِيّ بَعضَ الصّدَى

وَلاحَ لهَا صَوَرٌ وَالصّبَاحَ، … وَلاحَ الشَّغُورُ لهَا وَالضّحَى

وَمَسّى الجُمَيْعيَّ دِئْدَاؤهَا … وَغَادَى الأضَارِعَ ثمّ الدَّنَا

فَيَا لَكَ لَيْلاً على أعْكُشٍ … أحَمَّ البِلادِ خَفِيَّ الصُّوَى

وَرَدْنَا الرُّهَيْمَةَ في جَوْزِهِ … وَبَاقيهِ أكْثَرُ مِمّا مَضَى

فَلَمّا أنَخْنَا رَكَزْنَا الرّمَا … حَ بَين مَكارِمِنَا وَالعُلَى

وَبِتْنَا نُقَبّلُ أسْيَافَنَا … وَنَمْسَحُهَا من دِماءِ العِدَى

لِتَعْلَمَ مِصْرُ وَمَنْ بالعِراقِ … ومَنْ بالعَوَاصِمِ أنّي الفَتى

وَأنّي وَفَيْتُ وَأنّي أبَيْتُ … وَأنّي عَتَوْتُ على مَنْ عَتَا

وَمَا كُلّ مَنْ قَالَ قَوْلاً وَفَى … وَلا كُلُّ مَنْ سِيمَ خَسْفاً أبَى

وَلا بُدَّ للقَلْبِ مِنْ آلَةٍ … وَرَأيٍ يُصَدِّعُ صُمَّ الصّفَا

وَمَنْ يَكُ قَلْبٌ كَقَلْبي لَهُ … يَشُقُّ إلى العِزِّ قَلْبَ التَّوَى

وَكُلُّ طَرِيقٍ أتَاهُ الفَتَى … على قَدَرِ الرِّجْلِ فيه الخُطَى

وَنَام الخُوَيْدِمُ عَنْ لَيْلِنَا … وَقَدْ نامَ قَبْلُ عَمًى لا كَرَى

وَكانَ عَلى قُرْبِنَا بَيْنَنَا … مَهَامِهُ مِنْ جَهْلِهِ وَالعَمَى

لَقَد كُنتُ أَحسِبُ قَبلَ الخَصِيِّ … أَنَّ الرُؤوسَ مَقَرُّ النُهى

فَلَمّا نَظَرتُ إِلى عَقلِهِ … رَأَيتُ النُهى كُلَّها في الخُصى

وَماذا بمِصْرَ مِنَ المُضْحِكاتِ … وَلَكِنّهُ ضَحِكٌ كالبُكَا

بهَا نَبَطيٌّ مِنَ أهْلِ السّوَادِ … يُدَرِّسُ أنْسَابَ أهْلِ الفَلا

وَأسْوَدُ مِشْفَرُهُ نِصْفُهُ … يُقَالُ لَهُ أنْتَ بَدْرُ الدّجَى

وَشِعْرٍ مَدَحتُ بهِ الكَرْكَدَنّ … بَينَ القَرِيضِ وَبَينَ الرُّقَى

فَمَا كانَ ذَلِكَ مَدْحاً لَهُ … وَلَكِنّهُ كانَ هَجْوَ الوَرَى

وَقَدْ ضَلّ قَوْمٌ بأصْنَامِهِمْ … فأمّا بِزِقّ رِيَاحٍ فَلا

وَتِلكَ صُموتٌ وَذا ناطِقٌ … إِذا حَرَّكوهُ فَسا أَو هَذى

وَمَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ قَدْرَهُ … رَأى غَيرُهُ مِنْهُ مَا لا يَرَى