أقولُ لصاحبي ورضيعِ كأسي – عبدالغفار الأخرس

أقولُ لصاحبي ورضيعِ كأسي … رَفيقي بالفُسوق وبالفجورِ

علامَ صددتَ عن كأس الحميّا … لقَد ضيَّعتَ أوقاتَ السرور

أبعدَ الشيب ويحك تبتَ عنها … وما لك في متابك من عذير

وكيف عدّلتَ عن حالات سوءٍ … تَصيرُ بها إلى بئسَ المصير

لبستُ بها وإيّاك المخازي … فأسْحَبُ ذيلَ مختالٍ فخور

أتنسى كيف قضَّينا زماناً … به الأيام باسمة الثغور

وكنّا كلّما بتنا سكارى … ورحنا بالمدام بلا شعور

وقُمنا بعد ذلك واصطبحنا … فما نَدري المساءَ من البكور

وأنتَ مع العَواهر والزواني … تطاعِنُهن بالرُّمحِ القصير

وكنتَ تقولُ لي إشرَب هنياً … وخذها بالكبير وبالصغير

وكنتَ إذا نظرت ولو عجوزاً … سللتَ سلول غرمولِ الحمير

فإنَّ الله يعفو عن كثير … وميَّزتَ الإناث على الذكور

تركتَ طريقتي وفررتَ عني … فِرارَ الكلب من أسَدٍ هصور

وتوبتك التي كانتْ نفاقاً … غرورٌ وانغماسك في الغرور

كصبغ الشيب ينصلُ بعد يومٍ … ولمَ يَبْعُدْ مداه عن الظهور

وماكتبتْ لتخطر لي ببال … ولا اختلجت وشيبك في الضمير

لئِنْ أخذوا عليك بها عهوداً … بما كتَبَتْ يداك من السطور

فعد عنها إلى ما كنت فيه … كمن شمَّ الفسا بعد العبير

وأكثرْ مااستطعت من المعاصي … فإنَّ يعفو عن كثير

وننعمُ بالملاح بخفض عيش … مدى الأوقات من بمٍّ وزير

فإن حضر الفساد وغبتَ عنه … ولم تكُ من يُعَدّ من الحضور

لسَوَّدْتُ الصحائفَ فيك هجواً … وإتّي اليوم أهجى من جرير

تطيعُ مشورَتي وترى برأيي … وحَقَّ المستشير على المشير

لنقضي العمر في طربٍ ولهوٍ … فمرجعنا إلى ربٍّ غفور

وأنفِق ما ملكتَ ولا تبالِ … فناصرنا ثراءٌ للفقير

فنحن بفضله وندى يديه … كمَن آوى إلى روض نضير

ولا زلنا بشرعته وروداً … ورودَ الهيم من عذبٍ نمير