أغائرٌ دمعك أم منجدُ – حيدر بن سليمان الحلي

أغائرٌ دمعك أم منجدُ … قد رحل الصبرُ ولا منجدُ

يا رابط الأحشاء في راحة ٍ … قد نضجت بالجمر ما تقصد

لا تلتمسْ قلبك في جذوة ٍ … ما بقيتْ منكَ عليها يد

أخلت يبقى لك قلبٌ على … فاغرة الوجد ولا يفقد

وإنَّ قلباً بين أنيابها … طاح شظاياً كيف لا يزرد

حسبك منها زفرة ً لو غدتْ … في جلدٍ منها نزا الجلد

كم هزَّ أضاعَك من فوقها … حتى تلاقين جوى ً مكمد

فساقطت منك الحشا أدمعاً … حمراً على ذوب الحشا تشهد

لو تعلم الأيامُ ماذا جنت … إذاً لودَّت أنها تنفد

لقد أجلَّت رزء خطبٍ لها … في كل قلبٍ مأتماً يُعقد

إذ كوّرت شمساً، بنو المصطفى … فيها ترجَّوا أفقَهم يسعدُ

اللهَ يا دهرُ أبيناهمُ … في زهو بشرٍ للعدى تكمد؟

وبينما في فرط إبهاجهم … فيها لأثواب الهنا جدَّدوا؟

وكلُّهم قد مد عينَ الرجا … لفرقد الفخر بها يرصد؟

إذ يردُ الناعي إليهم بأن … جاء “ابن نعشٍ” ذلك الفرقد

فيغتدي ذاك الهنا حنَّة ً … فرائضُ الدنيا لها ترعد

نعشٌ أتى يُحمل فيه النهى … ميتاً عليه يندب السؤدد

وخلفه العلياءُ في صرخة ٍ … تدعو إلى أين به يقصد؟

يا حاملي إنسانَ عيني قفوا … نشدتُكم بالله لا تبعدوا

دعوه لي حسبي لتجهيزه … عينٌ عليه طرفُها أرمد

دموعها الغسلُ وأكفانه الـ … ـبياضُ، والجفنُ له ملحد

غدرتَ يا دهرُ ومنك الوفا … لا الغدرُ بالأمجاد مستبعد

فاذهب ذميماً إنها غدرة ٌ … وجهك ما عشتَ بها أسود

ما لك بالسوء لأهل الحجى … وردتَ لا طاب لك المورد

يا ناهداً بالشرِّ من جهله … تعلمُ بالشر لمن تنهد

وطارقاً بيتَ ندى ً يلتقى … ببابه المتهمُ والمنجد

حسبك من بيتٍ عتيد القِرى … أن له أفق السما يحسد

تخمد شهبُ الأفق لكن به … مواقدُ النيران لا تخمد

سواه ما للمجد من مهبط … وما لذمٍّ نحوه مصعد

فمقعداه للتقى والندى … وحاجباه العزُّ والسؤدد

ألم تجده حرماً آمناً … يحجُّه الأبيضُ والأسود؟

فكيف تسعى فيه لا محرماً؟ … كأنما أنتَ به ملحد

ما هو إلا بيتُ فخرٍ له … قبيلة ُ المعروف قد شيدوا

بيتٌ أبو الندب الرضا ربه … أكرمُ مَن تحت السما يُقصد

مولى ً درت أهلُ العُلى أنه … دون الأنام العلمُ المفرد

وأنه لولا هداه الورى … ضلَّت فلا رشدٌ ولا مرشد

وأنه لولا ندى كفه … لم يُرَ لا رفدٌ ولا مرفد

تلقاه طلقَ الوجه من هيبة ٍ … يفرق منها الأسد الملبد

محببٌ من حسن أخلاقه … حتى إلى مَن مجدُه يحسد

ما سهدت من خائفٍ مقلة ٌ … إلا وبالأمن لها يرقد

من ذا سواه قام يدعو الورى : … دونكم من بحر جودي ردوا

ومدَّ كفاً بغريب الندى … آلاؤها بين الورى تحمد

بخَّلت المزن ففي بخلها … حلائبُ المزن لها تشهد

تبصر في راحته أبحراً … طافحة ً أمواهها العسجد

أسرَّة تُسمى ولكنّها … بحارُ جود بالندى تزبد

فهو لعمري حجة ٌ في الندى … وآية ٌ في الفضل لا تجحد

قد قام لله بما بعضه … لكلّ أمجاد الورى معقد

مكارمٌ ما لكريمٍ سوى … عبد الكريم الندب فيها يد

ذاك أبو الكاظم غيثُ الندى … تربُ المعالي نجمها الأسعد

أين بنو العلياءِ من مجده؟ … ومجدُه ما ناله الفرقد

فقل لهم: لا تطلبوا نهجَ مَن … لطُرقه في المجد لن تهتدوا

قفوا جميعاً حيثُ أنتم فما … لكم إلى عليائه مصعدُ

هيهات أن يعلق في شأوه … إلا “الرضا” فرع العلى الأمجد

مباركُ الطلعة في يمنها … جميعُ مَن صبَّحه يسعد

يرى سمات الخير في ماله … بأنه خيرُ الورى تشهد

مهذّبٌ رشحه للعُلى … زعيمها الأكبرُ والسيِّد

فجاء فرداً في النهى كاملاً … يُثنى عليه الفضلُ والمحمد

شمسُ عُلى ً «هادٍ» لآفاقها … بدرٌ له بدرُ السما يسجد

وشهبُها الزهر “حسين” الندى … من طاب منه في العُلى المولد

وفخر أرباب النهى “المصطفى ” … من هو أزكى من نما محتد

وكوكب الرشد “أمينُ” التقى … و«كاظمُ» الغيظ الفتى الأمجد

و«باقرُ» الفضل وروحُ العلى … “عيسى ” فهل فخرٌ كذا يوجد؟

قومٌ هم شهبُ الفخار التي … منها بكلٍ ترجم الحسَّد

أنجمُ فضلٍ زهرتْ فاهتدى … بنورها الأقربُ والأبعد

حتى لقد قال جميع الورى : … هذا لعمري الشرف المتلد

يا أسرة َ المعروف لا نابكم … من بعد هذا الرزء ما يكمد

وهذه النكبة معْ أنها … فيها ثوابُ الصبر لا ينفد

لا يحمد الصبر على مثلها … لكنَّه من مثلكم يُحمد

وإنَّ من عنكم طواه الردى … في جنَّة الخلد له مقعد

قرَّ بها الطرفُ وطرف العلى … شوقاً إلى مرآه لا يرقد

ودمعُ عين المجد مذ أرخوا … المهدي فيها غاب لا يجمد

فعيشه في ظلِّ فردوسها … تالله أرخ لهَوَ الأرغد