أعلمتمُ أنّ النّسيمَ إذا سَرَى – بهاء الدين زهير
أعلمتمُ أنّ النّسيمَ إذا سَرَى … نقَلَ الحديثَ إلى الرّقيبِ كما جرَى
وأذاعَ سِرّاً ما برِحتُ أصُونُهُ … وهوًى أُنَزّهُ قَدْرَهُ أنْ يُذْكَرَا
ظهرتْ عليهِ من عتابيَ نفحة ٌ … رقتْ حواشيهِ بها وتعطراَ
وأتى العذولُ وقد سددتُ مسامعي … بهوى يردّ من العواذلِ عسكراَ
جهلَ العذولُ بأننيفي حبكم … سَهَرُ الدّجى عندي ألَذّ من الكَرى
وَيَلُومُني فيكُمْ وَلَستُ ألُومُهُ … هيهاتَ ما ذاقَ الغرامَ وَلا درَى
وبمُهجتي وَسْنانَ لا سِنَة الكرَى … أومارأيتَ الظبيَ أحوى َ أحورا
بهَرَتْ محَاسنُهُ العُقولَ فما بدا … إلاّ وسبحَ منْ رآهُ وكبراَ
عانقتُ غصنَ البانِِ منهُ مثمراً … ولَثَمتُ بَدرَ التَّمّ منهُ مُسفِرَا
وتملكتني من هواهُ هزة ٌ … كادتْ تُذيعُ عنِ الغَرامِ المُضمَرَا
وكتَمتُ فيهِ محَبّتي فأذاعَهَا … غَزَلٌ يَفُوحُ المِسكُ منهُ أذفَرَا
غزلٌ أرقّ من الصبابة ِ والصبا … وجعلتُ مَدحي في الأميرِ مكَفِّرَا
وَغفَرْتُ ذَنبَ الدّهرِ يَوْمَ لِقائِهِ … وشكرتهُ ويحقّ لي أن أشكراَ
مولى ترى بينَ الأنامِ وبينهُ … في القدرِ ما بينَ الثريا والثرى
بَهَرَ المَلائِكَ في السّماءِ دِيانَة ً … ألله أكبرُ ما أبرّ وأطهراَ
ذو هِمّة ٍ كَيوانُ دونَ مَقامِهَا … لوْ رامَها النّجمُ المُنيرُ تَحَيّرَا
وتَهُزّ منهُ الأرْيَحِيّة ُ ماجداً … كالرّمْحِ لَدْناً والحُسامِ مُجوْهَرَا
فإذا سألتَ سألتَ منهُ حاتِماً … وإذا لقيتَ لقيتَ منهُ عنتراَ
يهتزّ في يدهِ المهندُ عزة ً … ويميسُ فيها السمهريُّ تبخترا
وإذا امرؤٌ نادى نداهُ فإنما … نادَى ، فلَبّاهُ، السّحابَ المُمطِرَا
بَينَ المُكَرَّمِ وَالمكارِمِ نِسْبَة ٌ … فلذاكَ لا تهوى سواهُ من الورى
من مَعشَرٍ نَزَلوا من العَلياءِ في … مستوطنٍ رحبِ القرى سامي الذرى
ُبِلُوا على الإسلامِ إلاّ أنّهمْ … فُتِنوا بنارِ الحَرْبِ أوْ نارِ القِرَى
رَكِبوا الجِيادَ إلى الجِلادِ كأنّما … يحملنَ تحتَ الغابِ آسادَ الشرى
من كلّ مَوّارِ العِنانِ مُطَهَّمٍ … يجلو بغرتهِ الظلامَ إذا سرى
وسروا إلى نيلِ العلى بعزائمٍ … أينَ النجومُ الزهرُ من ذاكَ السرى
فافخَرْ بما أعطاكَ رَبُّكَ إنّهُ … فَخرٌ سَيَبقى في الزّمانِ مُسطَّرَا
لا ينكرُ الإسلامُ ما أوليتهُ … بكَ لم يزلْ مستنجداً مستنصرا
وليهنِ مقدمكَ الصعيدَ ومن به … ومَنِ البَشيرُ لمَكّة ٍ أُمّ القُرَى
فإذا رأيتَ رأيتَ منهُ جنة ً … لم ترْضَ إلاّ جودَ كَفّكَ كَوْثَرَا
وَلَطالَما اشتاقَتْ لقُرْبِكَ أنفُسٌ … كادَتْ منَ الأشواقِ أنْ تَتَفَطّرَا
وَنَذَرْتُ أنّي إنْ لَقيتُكَ سالماً … قلدتُ جيدَ الدهرِ هذا الجوهرا
ومَلأتُ منْ طيبِ الثّناءِ مَجامِراً … يذكينَ بينَ يديكَ هذا العنبرا
فقرٌ لكلّ الناسِ فقرٌ عندها … أبداً تباعُ بها العقولُ وتشترى
تَثني لراويهَا الوَسائِدَ عزّة ً … ويَظَلّ في النّادي بها مُتَصَدِّرَا
مَوْلايَ مَجدَ الدّينِ عَطفاً إنّ لي … لمَحَبّة ً في مِثْلِها لا يُمترَى
يا مَنْ عَرفتُ النّاسَ حينَ عرَفتُهُ … وجهلتهمْ لما نأى وتنكرا
خلقٌ كماءِ المزنِ منكَ عهدته … وَيَعِزّ عندي أنْ يُقالَ تَغَيّرَا
مولايَ لم أهجُرْ جَنابَك عن قِلًى … حاشايَ من هذا الحديثِ المُفْتَرَى
وكَفَرْتُ بالرّحمنِ إن كنتُ امرَأً … أرْضَى لمَا أوْلَيْتَهُ أنْ يُكفَرَا