أشفت غليل فؤادك الظمآن – جبران خليل جبران

أشفت غليل فؤادك الظمآن … تلك العيون تسيل من لبنان

أم فرقة الأوطان قد أودت به … واشد رزء فرقة الأوطان

ما زال من وجد عليها خافقا … حتى استقر بها من الخفقان

أما أنا فتكاد أحداث النوى … تستنزف العبرات من أجفاني

ويجدد الحزن العتيد على أخ … حزني على الماضين من إخواني

هل لي تأس بعد بينك والأسى … غلب العزاء وبات ملء جناني

قد ساء منعاك الذين بقوا وإن … سر الأولى سبقوا من الأقران

وشباب ذاك الجسم في ريعانه … وشباب تلك النفس في الريعان

أني سكت وكنت غريدا لحمى … وصداك فيه ملء كل مكان

سطول ليل الساهرين وليله … شوقا إلى إنشادك الرنان

ألموت ختال وليس بشافع … للبلبل التغريد في الأفنان

من يا أخا الإتقان بعدك صائغ … غرر القريض بذلك الإتقان

كل الذي اجريت فيه يراعة … أحسنت فيه نهاية الإحسان

بالطبع تفرغ ناظما أو ناثرا … أسمى المعاني في أرق مباني

تهوى الرقي فما نمل مبينا … سبل الهدى وطرائق العمران

فإذا نقدت فأنت أصدق طائر … بصرا بقاص في الأمور ودان

كم حكمة رددتها فأعدتها … ولها رنين مثالث ومثاني

ومقامة فصلتها وصولتها … وصل الفريد مفصلا بجمان

بفصاحة ليست لتبقي حاجة … في نفس مطلع إلى تبيان

وسلاسة تروي الغليلكأنها … قطر الندى في مهجة الحران

ودعابة فتانة لولي النهى … كدعابة الأنوار واللوان

تكفي الروايات التي دبجتها … أمما تطالعها إلى أزمان

صحف بلا عد لها آثارها … ما كرت الأحقاب في الأزمان

لا تبعدن فإن في أكبادنا … لك جانبا ينبو عن السلوان

ذكراك في روض الوفاء نضيرة … وثراك مخضل من التحنان