أسى وأفى بحادثة البريد – ابن شهاب
أسى وأفى بحادثة البريد … وحزن دايم وجوى يزيد
مصاب هد من جلدي وصبري … بكارث خطبه الركن المشيد
على أني ربيط الجاش ثبت … وإن حشدت من الدهر الجنود
ولكن الليالي فاجأتني … بموجعة يذوب لها الحديد
كأنَّ ضِئَيْلَة ً لسعت فؤادي … فحم بسمها الجسد الجليد
فكل مصيبة جلل سواها … لَدَيَّ وَكُلَّ ذِيْ خطر زهيد
لقد قطفت يد الأيّام غضا … محل غراسه قلبي العميد
أحال الدهر رونقة وأذوى … نضارة عوده الزمن العيتدُ
وأنشبت المنية فيه ظفراً … فكاد الحي من جزع يميدُ
وجدن عليه بالدمع البواكي … وكان بنفسه كرماً يجودُ
وسامته الكواعب أن يفَّدي … بهن لو الفِداء هنا يفيدُ
وأصبح وهو في حشم عديدٍ … وأمسى وهو مغترب وحيدُ
ترحل قاصداً نزلاً قريباً … رجوع النازلين به بعيدُ
وأم رحاب من تلقى مناها … إذا نزلت بساحته الوفودُ
مضى واختار بعد جوارنا أن … يجاوره الرؤف به الودودُ
فيالله من قمرٍ بقبرٍ … تعظمه لساكنه اللحودُ
وكم يا ليت شعري من عفافٍ … تضمن ذلك الجدث الجديدُ
وطيب شمائلٍ وجميل ذكرٍ … عليه خرائد الغنَّا شهودُ
وعرض طاهر وخلال حمدٍ … لها الميزان والشعرى عقودُ
غرائز هاشميّات وخلق … جميل زانه الخلق الحميدُ
يرشحه لها نسبٌ منيفٌ … لمحتده ذرى العليا سجودُ
نمته عروق مجد أخلصته … العمومة الخؤلة والجدودُ
لقد أودى فأودع نار وجدٍ … لها ما بين أضلاعي وقودُ
فقدت بفقده الدنيا جميعاً … بروحي ذلك الإلف الفقيدُ
أقام لعشرتي عشرين عاماً … وكل أولئك الأيام عيدُ
به ابتهجت سميَّات المغاني … وتاه بعزّه القصر المشيدُ
يصرّف كيف شاء نفيس مالي … ونفسي والعبيد له عبيدُ
وكل فعاله أعمال برٍّ … وكل خصاله كرمٌ وجودُ
فما نقم الحفيّ عليه أمراً … يعاب به ولا فاه الحسود
وليس وإن سما قدراً وشاناً … بذي صلفٍ ولا الشكس الكنود
ولم يرفع على الجيران صوتاً … وإن جاوروا ويصفح أن يكيدوا
ولم يغتب سواه ولا اشتكى من … نميمته القريب ولا البعيد
وليس بسيىء ٍ ظنَّاً إذا ما … أساء الظن بالناس الحقود
ولم ينطق ولو مزحاً بعورا … عدو المرء ما لا يستعيد
نفور عن سفاسف كل أمر … وعن ما لا يليق به شرود
تسربل بالنزاهة واكتسى بالنباهة … والحياء له عقيد
دعته الغيد سيدهن طوعا … ومن ذا بعد غيبته يسود
وأجمعت العقائل أنه في … سمات المجد ليس له نديد
لهنّ بحسن سيرته اقتداءٌ … يزين ورأيه الرأي السديد
صفاتٌ جآء مطبوعاً عليها … له ولها به اقتران الوجود
وإرث خلفته له أصول … كرامٌ من بني الزهراء صيد
ولو منها فرضنا حجد شيءٍ … لألقم دونه الحجر الجحود
نفيس قد تكون من نفيس … وحيد في محامده فريد
بلا ثمن حظيت به لحظي … بخٍ لو دام في الدنيا سعود
أيحسن بعده في رأي عيني … من الدنيا طريفٌ أو تليد
وهل أسلو بلى أسلو سلوي … إلى يوم يقوم به الهجود
وهل بتداول الأيام حزني … يقل لفقده لا بل يزيد
وهل يبلى معاذ الله ود … له بالقلب ممتزج أكيد
فلا عيشي يطيب ولا شرابي … يروق ولا كرى جفني يعود
وتأبى شيمتي أن يزدهيني … عقود في الخراعب أو بنود
وكيف يلذ بالعلات وصل … نعم منهن لذّ لي الصدودُ
سيبدو لي خيال منه مهما … تراءت غرّة للعين خود
بحرمة ودّه أقسمت أني … أحب إليه لو ساغ الورود
ومالي في الحياة هوى ً ولكن … قضى ببقاي ذو العرش المجيد
أأبقَى والمغاني عنه صفر … وآونة الحياة البيض سود
وتحزنني الولائد ان أراها … وقد صبغت بأدمعها الخدود
أسى يبكين لا لحذار ذلٍّ … فإن أباته العدد العديد
وقين السوء طالعهن إلاّ … بغيبة شخصه أبداً سعود
ولولا أن هذا الرّزء حكم … من الفعال فينا ما يريد
لقارعت المنون قراع حرٍّ … تهاب شاب قواضبه الأسود
وخضت لدرئه غمرات حرب … شب لهولها الطفل الوليد
ولكن ليس هذا الخطب مما … تقهقره الجيوش ولا الجنود
فخفض يا فؤآد عليك واصبر … فما الموتور قبلك مستقيد
وما جزع على ميتٍ بمغنٍ … ولا ضرب الحسام ولا النقود
وسلم إن في التسليم أجراً … وفي عدم الرضى ورد الوعيد
جرى قلم القضآء فكل ماض … من الدنيا إليها لا يعود
وليس لذي مقام أو حطام … يتاح بهذه الدار الخلود
لريب الدهر في كل ابن أنثى … سهام لا تطيش ولا تحيد
ومن من صرفه ينجو ومن ذا … على ظهر البسيطة لا يبيد
وبالأمم التي سلفت وصارت … من المنسي يعتبر البليد
فكم غدر الزمان بذات قرب … ومبعدة كما بعدت ثمود
وكم نقضت من الدنيا عليهم … مواثيق وكم نكثت عهود
وكم ذي زهو افترست سباع … الفناء وخانه الأمل المديد
ولكن الورى في غفلة عن … مصارعهم كأنهم رقود
سفاهٌ بابن آدم حين يلهو … ويلعب والحمام له عتيدُ
تناخ بسوحه نجب المنايا … وشيمته القساوة الجمودُ
وليس بما يؤل إليه يدري … أمقبولٌ فينجو أم طريدُ
لعمرك إنه لقرينُ خسرٍ … ومحفوظ الكتاب بذا شهيدُ
ولم يفلح سوى عبد له في … ربا الإيمان بنيان وطيد
وصدّق واتّقى المولى وأعطى … ولم تتعد منه له الحدود
ولولا سبق رحمته تعالى … لحل عذابه بهم الشديد
على جدث به ممن فقدنا … لطيف الروح والجسم الوئيد
تحيات معطرة الحواشي … يضوع بنشر عبهرها الوجودُ
وصيب رحمة وسجال غيث … من الرضوان جَادَ به الحميدُ
وشيعت الملائك منه روحاً … إلى الأفق المبين لها صعودُ
وأسكنه المهيمن في جنانٍ … دعائم دورها الدر النضيدُ
يطوف رياضها في عبقري … مجلّلة لهيكلها البرود
تسامره هنالك أم هندٍ … وفاطمة المطهرة الخرود
وكل شريفة تنمى إلى من … هم في مركز الفخر العمود
إلى آل الرسول عليه أزكى … صلاة الله ما حن الرعود