أحمدُ اللَّه مُبدِئاً ومُعيدا – ابن الرومي
أحمدُ اللَّه مُبدِئاً ومُعيدا … حمدَ من لم يزل إليهِ مُنيبا
أنا في خِطَّتي وأهلي ومالي … وكأني أمسيتُ فرداً غريبَا
من وعيدٍ نما إليَّ عن القا … ضي فما يستقر قلبي وَجيبا
أوحشَتْني مخافتَيهِ فأصبح … تُ حريباً من كل أُنسٍ سليبا
مع أمني من أن يُقارفَ جوراً … في قضاءٍ معاقباً أو مُثيبا
ولَعَمري لئن أمنتُ أميناً … إنّ في الحق أن أَهابَ مَهيبا
أنا في غُمة ٍ من الأمرِ غَمَّا … ءَ أُطيلُ التصعيدَ والتصويبا
ولَمَا ذاك خِيفتي جَنَفَ القا … ضي ولا أنَّني غدوتُ مُريبا
غير أني يسوؤني أنّ قَرْماً … شبَّ في صدره عليَّ لهيبا
وأرى ما يُرقُّ سِتري لديهِ … خُطة ً تُخلقُ الخَلاقَ القشيبا
وحقيقٌ بأن يَشُحَّ على الست … ر لديه من كان منّا لبيبا
ملأَتْني تُقاتُهُ اللَّهَ أمناً … وارتقاباً كسا عِذاري مَشيبا
لو يُلمُّ الذي ألمَّ بِرُكني … منه بالشاهقاتِ أضحت كثيبا
أيُّها الحاكم الذي إن نَقُلْ في … ه نَقُلْ مُكثراً ومطيبا
والذي لا يخافُ مادِحُهُ الإث … مَ لدى مدحِهِ ولا التكذيبا
والذي لم يزل يجاري ذوي الفض … لِ فيستَتبِعُ الثناءَ جنيبا
يملأُ القلبَ صامتاً وتراهُ … يملأُ الصدرَ سائلاً ومجيبا
إن قَضَى طبَّقَ المفاصلَ أو … ساءَلَ أعيا أو قال قال مصيبا
مالكٌ بعد مالك وكذا الأن … جمُ يتلو العقيبُ منها العقيبا
كُلَّ يومٍ يُعلِّمُ الناسَ علماً … زائداً كلَّ راغب ترغيبا
شرقَتْ شمسُهُ لمسترشديهِ … حين لم يألُ غيرُهَا تغريبا
والذي لم يزل لجارٍ وراجٍ … جبلاً عاصماً ومرعى خصيبا
كلما استنجداهُ واستمجداه … سألا حاتماً وهزَّا شبيبا
يشهدُ اللَّهُ أنّ دينيَ دينٌ … يرتضيهِ شهادة ً ومَغيبا
لم أعانِدْ بهِ الطريقَ ولا أضْ … حى لدين المعاندينَ نسيبا
وكفى شاهداً بذاك مليكٌ … لم تزل عينُهُ عليَّ رقيبا
فإن ارتبتَ باليمن وما حقْ … قُ يمينٍ حلفتُها أن تُريبا
فاسألِ ابنيكَ ذا العلاء أبا العبْ … بَاس واسأل أبا العلاء النجيبا
النقييَّن ظاهراً والنقيي … ن ضميراً والمُعْجِزَيْن ضريبا
الشبيهين في الطهارة بالما … ء إذا فُتِّشا وبالمسك طيبا
الصريحين في الصلاح إذا ما … خَلَّطَ الناسُ رائباً وحليبا
اللذين اغتدى وراحَ بعيداً … منهما الغَيُّ والرشاد قريبا
وإذا ما ثنا امرىء كان تاري … خاً جعلنا ثناهُما تشبيبا
فهما يشهدان لي بالذي قُلْ … تُ وما يشهدان لي تغبيبا
شاهدي من تَرَاهُ عَدْلاً وتَلْقى … منهُ وَجْهاً إذا أتاكَ حَبيبا
وإذا كان شاهدي بَضعة ً منْ … ك فحسبي أَمِنتُ أن تستريبا
وعسى قارِفِي يكونَ ظَنيناً … وعسى عائبي يكونَ مَعيبا
مَنْ عَذيري من معشر لا أَلبَّا … ءَ وأعيَوْا أن يَقبلوا تلبيبا
ليس يألونَ كُلَّ ما أصلح اللّ … هُ فساداً وما بنى تخريبا
قاتِلي الصالحينَ إما افتراساً … ظاهراً منهُمُ وإما دَبيبا
من سِباعٍ ومن أفاعٍ وكلٌّ … مُفسدٌ ما استحنَّتِ النِّيبُ نيبا
غلب الجهلُ والسَّفاهُ عليهم … فتراهم يُزندقون الأديبا
أنزل اللَّه في التَّنابز بالأل … قاب نهياً فأفحشوا التلقيبا
لقَّبوا المؤمنين بالكفر ظُلماً … وأطالوا عليهمُ التَّأليبا
واستحلّوا محارمَ اللَّه بالظَّنْ … نّ ولم يرْهبوا له ترهيبا
فِعْلَ من لا يرجو النشورَ إذا ما … ت ولا يَتَّقي الإلهَ حسيبا
والمُحِلُّو محارمَ الله أولى … أن يُرى السيف من طُلاهُمْ خضيبا
فاقتُلِ الوالغين في مُهج الأب … رار تقتلْ كلباً عَقوراً وذيبا
إنهم مَنْ أتاك بالأمسِ يغزو … ك فلا تُبقيَنَّ منهم عَريبا
حملوا حملة ً على الدين تحكي … حملة َ الروم رافعين الصليبا
وأرادوا بك العظيمة لكن … أوسع اللَّهُ سعيَهم تخييبا
وكأن الغوغاءَ لما تغاوَوْا … فرموا دارَكم قَضَوا تحصيبا
زعموا أن ذاك غزو وحج … تبَّب اللَّه أمرهم تتبيبا
وثب الشِّعرُ وثبة ً فاستحلوا … رَجْمَ قاضيٍ وكان ذاك عجيبا
ما لهم لا سقاهُمُ اللَّه غيثاً … بل عذاباً من السماء صَبيبا
ما على حاكمٍ من الشعر أم ما … ذا عليهِ إن كان عاماً جديبا
أإليهِ أمرُ السحابِ أم التس … عيرُ تَبّا لذاك رأياً عَزيبا
هكذا ظُلْمُهُمْ لكلّ بريءٍ … دعْ مقالي وسائِل التجريبا
شيعة ٌ للضلال ذاتُ نقيبٍ … قُبِّحت شيعة ً وخابَ نَقيبا
ليس ينفكُّ قادحاً في تقيٍّ … قائماً بالهناتِ فيه خطيبا
فاحصدِ الظالمينَ بالسيف حصداً … إنَّ في حصدهم لرَيْعاً رغيبا
فإن ارتبتَ في العقوبة بالقت … ل فأدِّبْ وأحسنِ التأديبا
أنا راجٍ بعدل قاضيَّ أمناً … ومَحلاً لديه بل تقريبا
بل خصوصاً به يُنفِّلُني التأ … هيلَ منه ويفرضُ الترحيبا
قلتُ للسائلي بكم أيها الرا … ئدُ صادفتَ مُسترداً عشيبا
في ذُرا قِبة ٍ غدتْ لبني حم … ادٍ الأكرمين مُرداً وشيبا
وُتِدَتْ بالحجا ولم تعدِم العِل … مَ عماداً ولا التُّقى تطنيبا
قُبة ٌ أصبحت نجومُ المعا … لي لأعالي سمائها تذهيبا
ولَكَمْ غُمة ٍ أظلَّت فكانت … لي إلى ما أحبُّهُ تسبيبا
وخِناقٍ قد ضاق بي فتولَّى … ضِيقُهُ قَطْعَهُ فعاد رحيبا
إن لي ناصراً يُذبِّبُ عنّي … كان مذ كنتُ يحسن التذبيبا
يا سَميَّ النبي ذي الصفح والتا … بعَ مَسعاتَهُ التي لن تخيبا
قل كما قال يوسفُ الخيرِ يا يو … سُفُ للمُرتجيك لا تثريبا
وتصفَّحْ وجوهَ قولي وقلِّبْ … جانبيهِ وأنعِمِ التقليبا
والمجازاة ُ بذلُ وُدّي ونَصْري … ودعائي لك القريبَ المُجيبا
ومديحٌ يضمُّ لفظاً فصيحاً … غيرَ مُستكرهٍ ومعنى ً جليبا
هذَّبَتْهُ رياضة ٌ من مُجيدٍ … في مُجيدٍ يفوقُهُ تهذيبا
فاتقِ اللَّه أيُّها الحاكمُ العا … دلُ فيمن يُضحي ويمسي نخيبا
إنّ من رُعتَهُ وإن أنت لم تق … تلْهُ قتلاً قتلتَهُ تعذيبا