أجَارَتَنَا لاَ تَجْرَعِي وَأنِيبِي – بشار بن برد
أجَارَتَنَا لاَ تَجْرَعِي وَأنِيبِي … أتَانِي مَنَ الْمَوْتِ الْمُطِلِّ نَصِيبِي
بني على قلبي وعيني كأنَّهُ … ثَوَى رَهْنَ أحْجَارٍ وجَارَ قَلِيبِ
كَأني غَرِيبٌ بَعْدَ مَوْتِ «مُحْمَّدٍ» … ومَا الْمَوْتُ فِينَا بَعْدَهُ بغَرِيبِ
صبرت على خير الفتوِّ رزئتهُ … ولولا اتقاء الله طال نحيبي
لعمري لقد دافعت موت “محمَّد” … لَوَ انَّ الْمَنَايَا تَرْعَوِي لِطَبِيبِ
وما جزعي من زائلٍ : عمَّ فجعهُ … ومن ورد آباري وقصد شعيبي
فَأصْبَحْتُ أبْدِي لِلْعُيُونِ تَجَلُّداً … ويا لك من قلبٍ عليه كئيبِ
يُذَكِّرُنِي نَوْحُ الْحَمَام فِرَاقَهُ … وإرنان أبكار النساء وثيبِ
ولي كل يوم عبرة ٌ لا أفيضها … لأحظى بصبرٍ أو بحطِّ ذنوبِ
إلى الله أشكو حاجة ً قد تقادمت … على حدثٍ في القلب غير مريبِ
دعتهُ المنايا فاستجاب لصوتها … فللهِ من داعٍ دعا ومجيبِ
أظَلُّ لأَحْدَاثِ الْمَنُونِ مُرَوَّعاً … كأنَّ فُؤَادِي فِي جَنَاحِ طَلُوب
عَجِبْتُ لإِسْرَاعِ الْمَنِيَّة ِ نَحَوَهُ … ومَا كانَ لَوْ مُلِّيتُهُ بِعَجِيبِ
رزئتُ بني حين أروق عودهُ … وألْقَى عَلَيَّ الْهَمَّ كلُّ قَرِيبِ
وَقَدْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَكُونَ «مُحَمَّدٌ» … لنا كافياً من فارسٍ وخطيبِ
وكَانَ كَرَيْحَانِ الْعَروُسِ بَقَاؤُهُ … ذَوَى بَعْدَ إِشْرَاقِ الْغُصُونِ وَطِيبِ
أغرُّ طويل الساعدين سميذعٌ … كَسَيْفِ الْمُحَامِي هُزَّ غَيْرَ كَذُوبِ
غَدَا سَلَفٌ مِنَّا وَهَجَّرَ رَائِحٌ … على أثرِ الغادينَ قودَ جنيبِ
وما نحنُ إلا كالخليط الذي مضى … فرائس دهرٍ مخطئٍ ومصيب
نؤمِّلُ عيشاً في حياة ٍ ذميمة ٍ … أضَرَّتْ بأبْدَانٍ لَنَا وَقُلُوبِ
ومَا خَيْرُ عَيْشٍ لاَ يَزَالُ مُفجَّعاً … بموت نعيمٍ أو فراق حبيب
إِذَا شِئْتُ رَاعَتْنِي مُقِيماً وظَاعِناً … مصارعُ شبَّانٍ لدي وشيبِ